الاثنين، 9 سبتمبر 2013

من أصول فن التمثيل .. عند العرب بقلم/ د : ابراهيم السامرائي



من أصول فن التمثيل .. عند العرب
                                                                                           بقلم/ د : ابراهيم السامرائي

    
اجمع الدارسون علي أن (التمثيل والمسرح ) من الفنون الوافدة من الغرب علي الدنيا العربية . لقد عرفها العرب بأتصالهم بالغربيين في العصور الحديثة . وقد أجمعوا علي أن مصر أول البلدان العربية التي اقتبست هذا ما كان من تأثر اللبنانيين والسوريين ، ومن ثم عرف العرب الاخرون هذا الفن .
    علي أن هذا المعرفة المكتسبة قد مر عليها ما يقارب من قرن ونصف ومن غير شك أن هذه الحقبة كفيلة أن تكسب العرب خبرة فنية لها تقاليدها . علي أن التأثر بالغرب ماذال قائماً رغم هذه (الاصالة) التي صقلها الاقتباس .
       من هنا كان لا بد لنا أن نسأل: الم يكن لنا في تراثنا الأدبي الفني شيء من هذا ؟ .. والجواب عن هذا ما أنا ذاكره في هذه الالمامة القصيرة فأقول : لم يعرف العرب في عصورهم القديمة مادة " التمثيل " مما نعرفه الآن من معناها الفني . ومن المفيد أن أقول : انها مادة جديدة بهذا المعني الفني ، وذلك لان   " التمثيل" في العربية مصدر (مثل) القاتل بالقتيل ، اي قتله وقطع في اعضائه تقتيلاً وتشويها ، والاسم منه (المثلة) وهي مما حرمها الاسلام أياً كان القتيل كافراً أم خائناً .
      ومن هنا كان "التمثيل" كلمة جديدة بهذا المعني الاصطلاحي الفني ، والكلمة من غير شك ترجمة للكلمة الفرنسية أوالانكليزية ((Reprentation . وقد انصرفت كلمة "التمثيل" للفن وغيره ، ومن ذلك التمثيل السياسي ايضاً .
ولنا أن نسأل : فأين أصول "التمثيل" الفني في التراث القديم ؟ .. جاء في معجمات العربية : حكيت عنه الكلام حكاية ، وحكيت فعله وحاكيتة اذا فعلت فعله ، والمحاكاة هي المشابهة يقال : فلان يحكي الشمس حسناً ويحاكيها بمعني .
    أقول : وقد توسعوا في دلالة "الحكاية" من معني المشابة أو القصص الى ما يمارسونه مما ندعوه "تمثيلاً" في عصرنا ، وخصوا هذه "الحكاية" الفنية بما يتصل بالألوان الهزلية التي يراد بها الاضحاك المجرد أو الاضحاك الذي يرمي الى غرض ناقد . وهذا يخولنا أن نلحق هذا الفن "التمثيلي" أو "الحكاية" بالنوع الكوميدي من فنوننا المعاصرة .
    ونستدل على هذه الفوائد الفنية بما ذكره ابن الداية أذ قال : كان "حسين" بن شعرة مضحك المتوكل قد انضوى الى ابن المدبر فحمي به ضياعه واملاكه ، ووقف الحسين علي استثقال ابن المدبر لأحمد بن طولون واخرج حكايته في تزمته وكلامه ، فيضحك ابن المدبر ومن حضره ، واتصل فعل ابن شعرة بابن طولون فحزره وانزره ، فأنصرف ابن شعرة الى ابن المدبر وقال له : (ياسيدي لو شاهدت ابن طولون يؤنبني ، فقال له : ماقال لك ؟ قال : اصبر حتي اريك "حكايه" صورته ومعاتبته ، ثم تلبس وجلس يحكيه ويختصر ما لقبه به) .ومن غير شك أن قوله "اخرج حكايته" و "حكاية صورته" و "يحكيه" تدل على معني التمثيل في ايامنا .
    وقد سمي الزمخشري "الممثل" "الحكاء" ، وعلى هذا يكون المحكي هو المسرح  و"المحكاة" هي التمثيلية .
    وقد اطلقوا علي هذه "التمثيليات" الهزلية التى يقصد بها الاضحاك كما يقصد ما جاوز الضحك من النقد ذي الهدف ، لفظ "السماجة" واصحاب "السماجة" هم المثلون الهزليون ، وسنرى ما يؤيد هذا . ومن اخبار هذا الفن التمثيلي الذي عبر عنه "بالحكاية" ما ذكره ابي الفرج الاصفهاني في قصة القاضي عبد الله بن محمد الخلنجي فقال:(...وشهرت الابيات والقصة وعمل له علوية "حكاية" اعطاها لزفانيين والمخنيين فاخرجوه فيها) ومن هذه الحكاية الهزلية التمثيلية ما ذكره الثعالبي من حكاية ابي دبوية فقال:(... كان زنجياً وكان يحاكي كل صوت وكل هيئة وكل مشية ، ويحاكي اصوات الدواب والبهائم والطير فلا يفرق بين صوته واصواتها) .
    والى مثل هذا اشار الجاحظ في فوائده التى وقفنا عليها في كتابه "البيان والتبيين" فقال :(... ومع هذا انا نجد الحاكية من الناس يحكي الفاظ سكان اليمن مع مخارج كلامهم لا يغادر من ذلك شئاً.وكذلك تكون حكايته وللخرساني والاهوزاني والزنجي والسندي ... وغير ذلك.نعم حتي تجده كأنه اطبع منهم ، واذا ما حكي كلام الفأفاء فكأنما قد جمعت كل طرفة في كل فأفاء في الارض في لسان واحد . وتجده يحاكي الاعمي بصورة ينشئها لوجهه وعينيه وأعضائه ، لا تكاد تجد من الف اعمي واحد يجمع ذلك كله ، فكأنه قد جمع جميع طرف حركات العميان في اعمي واحد وقد كان ابودبويه الزنجي يقف بباب الكرخ بحضرة المكارين فينهق ، فلا يبقي حمار مريض ولا هرم حثير ولا متعب بهير الا نهق ، وقبل ذلك تسمع نهيق الحمار علي الحقيقة فلا تنبعث لذلك ، ولا يتحرك منها متحرك حتي كان ابودبوية يحركه ، وقد كان جمع جميع الصور التي تجمع نهيق الحمار فجعلها في نهيق واحد ، وكذلك كان في نبيح الكلاب).
        ومن حديث "السماجة" ما ذكره ابن حيان التوحيدي في وصف الصاحب بن عباد يهجوه وينال منه :(... وهو في ذلك يتشاكى .. ويتفاتل ويتمايل ، ويحاكي المومسات ، ويخرج في اصحاب السماجات) .
اقول : هذا ما ورد في "باب" "الحكاية"و"السماجات" من الفن الهزلي الكوميدي في تراثنا القديم . واعود فاقول : أن فننا المسرحي التمثيلي المعاصر هو ما اكتسبناه من الغرب وليس من صلة بينه وبين هذا الذي بسطته من اخبار التراث ، ولكني آثرت أن اعرض له لأدل علي ما كان لنا من الفن التمثيلي القديم .
                                   نشرت بمجلة الطليعة الطلابية العدد(8)- ( نقلا عن مجلة الرولة 1985 عدد 3 ص 370 )