ويسألونك عن المسرح الحر*
الاستاذ الناقد علي محمد سعيد
كثيرا يطرح تساؤل عن المسرح الحر ماهو ؟ نقول ان المسرح الحر كمفهوم وممارسة معروف على مستوى المسرح العالمي ونظرياته وهناك العديد من الممارسات المسرحية جاءت تحت هذا المسمى ..ولكن نحن لايعنينا اي من التعريفات التي حاولت تاطير هذا المفهوم وان كان لها تقاطعات مع مفهومنا له فيمكن لها مقاربة ذلك..المسرح الحر عندنا هو التجلي لمفاهيم الديمقراطية والمدنية على المسرح..فهو يعني عندنا اتاحة الفرصة لكل من يطلق على نفسه صفة مسرحي وبالتساوي حيث لا اعتبار للعرق ولا الجغرافيا ولا الدين ولا اللون ولا المعتقد ..وبغض النظر عن اللونية التي يتبناها او النظرية او المنهح الفني الذي ينطلق منه وبغض النظر عن الخبرة الاكاديمية او التطبيقية التي يتمتع بها ..وهذا يجئ متسقا مع اهدافنا المعلنة من تحريك للساكن تلمسرحي وفتح فضاءات واكتساب مناطق جديدة وجمهور جديد للمسرح .. بالاضافة الى تطوير الفعل المسرحي نفسه..وهذا ايضا يجئ كضرورة فرضها واقع الممارسة واحتكاريتها لمصالح خاصة وحراسة ذلك بسلط مختلفة مادية ومعنوية ..المسرح الحر ياسادتي هو منبر للمسرح ولكل من يانس غي نغسه الكفاءة ليقف امام الجمهور ويعبر عن نفسه من خلال المسرح ..هذا هو الشرط الاساسي والوحيد ان تملك ماتريد قوله ..وكل مايلي ذلك عندنا هو من ثانويات الامور بما في ذلك الامكانيات المادية ..المسرح الحر السوداني هو فعل جوهري ومسؤول وعلى هذا فهو يكيف المكان والزمان ولايتقيد بشروطها وعلى هذا فهو مسرح يقام على المسارح المجهزة ويقام على مساطب الاندية وعلى ساحات الحدائق والشوارع والاسواق ..وهذا حققناه فعليا فدورات المسرح الحر الاربعة اقيم بعضها على مساطب غير مجهزة وبعضها على اكثر المسارح تجهيزا في السودان ونقول انه طالما وجد جماعة من الناس فهذه بيئة مناسبةله فالثابت الوحيدوالمشترك بين كل تجاربه كان هو الممثل الذي يريد ان يقول شبئا والجمهور الذكي..والمسرح الحر يعمل وفق تحالفات تكتيكية واستراتيجية مع الجهات ذات الصلة طالما ان ذلك لايمس مضمون العمل ولا يوجه الخطاب العام.. خصوصية تعريف المفهوم والتي لاتدين للمتعارف عليه كما اشرت اليها لا تعني التعالي على الخبرة الانسانية بقدر ماهي تدين الى خصوصية التجربة المسرحية في السودان فهي الحاضن والمفسر لبروز المسرح الحر وتبلوره كممارسة ضرورية يتساوى وجودها مع الوجود المعافى والمستنير للمسرح عندنا ، فالممارسة المسرحية عندنا اتخذت اتجاهات متباينة ولكنها تشترك في كونها تنأى عن التراكم المفضي للتطور حيث ان فرع منها اتخذ الطريق السهل للنجومية السريعة حتى ( انمسخ) وعاد الى طفولة التجربة المرتبطة بالمونولوج والنكتة . وجانب اخر اصبح عينه على الربح وهذا ارتبط ب" تجار المسرح الجدد" وهم فئة ذات ارتباط مريب بالسلطة ولايعنيهم المسرح الا بمقدار مايضيف الى جيوبهم وهؤلاء (والحمد لله) قادهم ذلك - بقدر كبير ،الى التلفزيون ودرامته واعلاناته . وبالطبع هناك بعض التجارب الفردية لبعض مثقفي المسرح والذين ظلو قابضين على جمرته ولكن صفتهم هذه- اي الفردية، هو مايعيب تجربتهم ويكاد يجعلها بلا تاثير يذكر .اما الجذر الاساسي للمسرح فصار ملكا (حراً) لفرد واحد يصيغ له التصورات والقوانين ويعرف المسرح في السودان باسمه في كل المحافل المحلية الرسمية والاقليمية والعالمية !!وهو يستغل في ذلك زمرة من الاكاديميين والساسة والصحافيين والمتصوفة !! ومع غياب المواسم المسرحية المنتظمة ( وله في ذلك يد طولى بلا شك) صار هو المعبر الوحيد للمسرح
ذا، فالظرف العام بانغلاقه الا من مسارب لا تحتمل طاقة وجود المسرح الكمية والنوعية كان يتطلب حدوث اختراق ما، اختراق لصالح المسرح والممارسة الحرة التي تراهن على تراكم مثمر وايجابي يوسع من فضاءات الممارسة ويعيد للمسرح وجوده كمنبر جماهيري ويعيد للجماهير ثقتها فيه كخطاب مفتوح ومحفز ومبتدر للنقاش . منبر مفتوح يعبر من خلاله وبادوات المسرح كل من يرغب دون نظر الى انه من الاقاليم او من الاهل استطاع المسرح الحر عندنا ان يحقق ماذهبت اليه الكتابة السابقة ام ان هذا مجرد تنظير ؟ بمعنى اوضح هل استطاعت تجربة المسرح الحر بدوراتها الاربعة ودورتها التاسيسية الاولى والتي كانت تحت عنوان (اسبوع مسرح الشباب) ان تحقق قيم الديمقراطية والمدنية المفتقدة في حركتنا المسرحية ؟ وهل استطاعت ان تتخفف من اعباء الاشكاليات المزمنة التي ظلت ترزح تحت وطأتها الخانقة حركتنا المسرحية ؟ الاجابة على هذه التساؤلات عندنا هي بالايجاب المدعوم بشواهد كثيرة ومتاحة ومبذولة على العموم ، ولا يسع المجال للتفصيل عليه ساقوم بانتخاب شواهد يمكن ان تدلل علي ذلك ونترك الباب مفتوح للمناقشة :
اتاح المسرح الحر الفرصة لاي عرض تقدم له ولم يرفض عرضا قط لاي اعتبار ولم توضع له شروط فنية لقبول او رفض الاعمال. وشارك فيه مسرحيون فاقت تجربتهم الاربعين والخمسين عاما بجانب اخرون كانت مشاركتهم فيه هي تجربتهم الاولى في المسرح . وهذا ليس استسهالا للمسرح بقدر ماهو اعتراف بحق اي ممارس في ممارسة المسرح وكذلك هو اعتراف بان الجمهور هو صاحب التقييم . ولم تقتصر المشاركات فيه في اي من دوراته على جغرافيا معينة سواء كانت داخل او خارج السودان.
ادارة المسرح الحر تتخطى حدود المركز فاعضاؤه منتشرون في كل ولايات السودان التي استجابت للدعوة وكذلك فله اعضاء خارج اطار السودان وهم اعضاء كاملوا الاهلية والحقوق ومشاركين في نقاش كل التفاصيل. وعضويته مفتوحة لكل من يرغب.
بعض الدورات اقيمت على مساطب اسمنتية وباضاءة الشمس !! وبعضها اقيمت في مسرح الفنون الشعبية باضاءة حديثة تم استجلابها من خارج حدود السودان.
عليه، يكون المسرح الحر هو اختراق موضوعي نتج عن حاجة وجودية ومعرفية وجمالية وكخطوة في سبيل تطبيق وتنزيل مفاهيم الديمقراطية والمدنية على الممارسة المسرحية في السودان، وكذلك فهو إشارة الى ضرورة الانتباه الى معوقات الحركة المسرحية وقيودها وهي ليست كثيرة ولكنها قوية ومحكمة الاغلاق وهي استجابة وتماهي مع مفاهيم اجتماعية ( بالمعنى الواسع )متداخلة يمسك بعضها بعجيزة بعض : مثل (القبيلة وشيخها )، (المركز المتورم بكل شئ على حساب الاطراف الهزيلة)، (العرض والطلب، والربح والخسارة، والتسليع للقيم والفكر)، ( الصوت الواحد، الحزب الواحد )، ( العنصرية واقصاء الاخر والشلليات )...الخ . ولا ينكر الا مكابر ان هذه عناوين تصلح لتحليل واقع المسرح في السودان ..المسرح الحر برز بوعي يناهض هذا ويقول ان هذا ممكن ..ممكن ان يكون هناك فعل معافى ومخفف من هذه الاحمال فعل لا يدين الا للحق والخير والجمال ويضع عينيه صوب مستقبل افضل يقوده المسرح في مستواه العام ، واضافة لتجربة المسرح ذات خصوصية ويمكن ان تدرس وتعمم ويستفاد منها . وقيمة المسرح الحر انه لم يراهن على حلول او وصفات جاهزة بل قام باستنباط الياته وادواته واختبرها وكل هذا في اطار واقعه المعشوشب بالطفيليات والذاخر بنباتات الزينة والظل بعض الدورات قامت بالجهد الذاتي للمشاركين وبعضها قام بدعم من بعض الوزارات وبعض المثقفين في المهاجر وبعضها تم برعاية المجلس القومي . ولم يحقق او يقصد تحقيق اي ارباح
استنهض مثقفين من خارج المسرح للمشاركة في منتدياته بغرض اضافة اصوات ورؤى جديدة وكسر التكرار والاجترار السائد
ابتدع طريقه الخاص في تنظيم النقد التطبيقي ووجهه لقياس المؤشرات والاتجاهات العامة وهذا بالتكامل مع تقرير لجان التحكيم التي حاولت رصد الممارسة بالنسب المئوية مع بذل النتائج للنقاش العام ..تحت الشمس . (نواصل )قانيم !! من المركز او من الهامش، مع السلطة او ضدها ،عميق كان او ضحل، وسيم او دميم ..باختصار فالممارسة المسرحية كان لابد لها من ممارسة الديمقراطية قبل ان تنادي بها ..ان تنبذ الصوت الواحد فيها قبل ان تبشر بنبذه على مستويات اخرى ..ومن هنا ولدت فكرة ..وتجربة المسرح الحر لم تتوقف على حقيقة انها مسار لتراكم ايجابي يفيد حركة وتطور المسرح فكريا وجماليا فقط ..فهي ذات تاثيرات اخرى على البيئة العامة ولها مداخل ومواقع ومستويات اخرى يمكن قراءة
تاثيراتها فيها ومن خلالها فهي قد وضحت حقائق ابرزها ان المسرح ينشأ بالوعي والاصرار قبل ان يكون فعلا نبيلا مجسدا على الخشبة وان صناعته لا تقوم فقط بامرة شيوخ القبيلة وانه ليس من ضروب السحر المملوكة اسراره وطلاسمه لتمتمات شفاه معينة .هذه الحقيقة البديهية التي اكدها المسرح الحر والتي رفعت حواجب الدهشة لدى العديد من المسؤلين عن حركة الثقافة فهي ايضا هددت مصالح من كان يروجون لعكسها ويتكسبون من طرحهم لذاتهم كسحرة لا ترفع الستارة الا استجابة لطلاسمهم ذات القراباذا فالمسرح الحر مارس فعل الوعي على مستويات متعددة من بينها انه وضح ان التنظيم للفعل المسرحي يمكن ان يكون بدروب وطرائق متاحة فخلف الجدار الهش تحتجز طاقات تؤمن بالفعل كقيمة في حد ذاته وهم قوم مؤمنون بفكرهم وعلى استعداد لبذله بمقابل اسماع صوتهم والمساهمة في تطوير مجتمعهم وبالتالي فهذا جعل هناك اعادة نظر وتقييم للمسرحي وممايزة له عن باقي حرفيين الارض وهذا بقدر ماهو مدعاة للاعجاب الا انه ايضاً مدعاة للتساؤل..تساؤل عن اصل الصورة الذهنية التي كرستها الممارسة السابقة وصورت المسرحي باعتباره حرفي يقبض الثمن مقدما قبل ان يعتلي الخشبة ..وتساؤل ايضا عن ذاك الفقر الفائح رغم البذل وتساؤل ايضا عن واذا كان الحال كذلك فلماذا هناك (نفاج) واحد وصناع الفعل محتجزون خلف الجدار ؟ ولمصلحة من تم هذا ؟ والاسئلة تتناسل وتنمو وتجذب الغطاء رويدا رويدا وتبدأ الملامح في التكشف ..وتستدعي الاسئلة شواهد وتدخل ملاحظات من شاكلة ( واذا كانت الدولة هي ام المسرح فلماذا يجوع طفلها الرضيع " ايام الخرطوم المسرحية" حتى الموت بينماتبذل حليبها سخيا لطفل ليس من صلبها ؟ واسئلة وملاحظات اخرى غير مترابطة ظاهريا ولكنها في محصلتها ستشكل ملمحا كليا للصورة ين الباهظة ..القرابين التي ببذلها (رعاة) بطيب خاطر ومن هنا فالتجربة فتحت ابوابا ونوافذ دخلت منهانسائم للبعض وللبعض اعاصير إذا، تجربة المسرح الحر وبوصفها هزة قوية للوعي المسرحي والوعي العام فهي تحتاج حتى تستطيع إكمال مساهمتها وخلق تغيير ملموس إلى ان نؤسس على مكاسبها التي افردنا لها مساحات في ماسبق والتي يمكن تلخيص اهمها للتذكير : ضرورة الممارسة انطلاقا من مفاهيم الديمقراطية والمدنية وضرورة طرح الأسئلة على كثير من الثوابت في حركتنا المسرحية وخاصة وأن ثقوبها تعمل على تسريب جهدنا المسرحي وتفرغه من جل محتواه وبالتالي تخفف من تأثيره وثقله. .وايضا ضرورة مراجعة مسألة تقسيم (الثروة والسلطة) وفض الاحتكار الأحادي الذي ظلت حركتنا تعاني منه منذ عقود وكذلك هناك ضرورة أن يأخذ الشباب حقهم في إدارة وممارسة المسرح ويجد ذلك تفهما.وحتى لو لم يجد ذلك تفهما .فأنا قصدت إلا اقول (يمنحون حقهم) ..على الشباب استلام زمام المبادرة والفضاء الآن مفتوح والتمويل والإعلان عبره متاح وتجربة المسرح الحر أثبتت أن الامكانيات المادية يمكن أن تكون مسألة ثانوية لو توفر الإصرار والوعي بأهمية أن يكون هناك حراك وممارسة وهذه ليست مثالية فالمسرح الحر الآن وبعد أن أثبت وجوده لا أظن أنه سيعاني من مسألة التمويل في الدورات القادمة فالحمد لله ولا أذيع سرا أن هناك العديد من المبادرات لتمويله من الداخل ومن الخارج..وهذا يؤكد لنا حقيقة أن العمل والسعي الجاد فيه رغم المعاكسات و (العسس ) ورغم مصالح شيخ القبيلة!! وتوابعه من المتكسبين ولاعقي الأحذية وحارقي البخور فإنه لامحالة سيؤتي اكله ..
*ملحوظة: هذه المادة نشرها الاستاذ علي سعيد بصفحتة الشخصية علي الفيس بوك في مقالات من (1-8) وقدقمنا بنشرها في مجموعة نادي المسرح الحر واتساب وننشرها هاهنا على مدونتا مسرح السودان الحر

كثيرا يطرح تساؤل عن المسرح الحر ماهو ؟ نقول ان المسرح الحر كمفهوم وممارسة معروف على مستوى المسرح العالمي ونظرياته وهناك العديد من الممارسات المسرحية جاءت تحت هذا المسمى ..ولكن نحن لايعنينا اي من التعريفات التي حاولت تاطير هذا المفهوم وان كان لها تقاطعات مع مفهومنا له فيمكن لها مقاربة ذلك..المسرح الحر عندنا هو التجلي لمفاهيم الديمقراطية والمدنية على المسرح..فهو يعني عندنا اتاحة الفرصة لكل من يطلق على نفسه صفة مسرحي وبالتساوي حيث لا اعتبار للعرق ولا الجغرافيا ولا الدين ولا اللون ولا المعتقد ..وبغض النظر عن اللونية التي يتبناها او النظرية او المنهح الفني الذي ينطلق منه وبغض النظر عن الخبرة الاكاديمية او التطبيقية التي يتمتع بها ..وهذا يجئ متسقا مع اهدافنا المعلنة من تحريك للساكن تلمسرحي وفتح فضاءات واكتساب مناطق جديدة وجمهور جديد للمسرح .. بالاضافة الى تطوير الفعل المسرحي نفسه..وهذا ايضا يجئ كضرورة فرضها واقع الممارسة واحتكاريتها لمصالح خاصة وحراسة ذلك بسلط مختلفة مادية ومعنوية ..المسرح الحر ياسادتي هو منبر للمسرح ولكل من يانس غي نغسه الكفاءة ليقف امام الجمهور ويعبر عن نفسه من خلال المسرح ..هذا هو الشرط الاساسي والوحيد ان تملك ماتريد قوله ..وكل مايلي ذلك عندنا هو من ثانويات الامور بما في ذلك الامكانيات المادية ..المسرح الحر السوداني هو فعل جوهري ومسؤول وعلى هذا فهو يكيف المكان والزمان ولايتقيد بشروطها وعلى هذا فهو مسرح يقام على المسارح المجهزة ويقام على مساطب الاندية وعلى ساحات الحدائق والشوارع والاسواق ..وهذا حققناه فعليا فدورات المسرح الحر الاربعة اقيم بعضها على مساطب غير مجهزة وبعضها على اكثر المسارح تجهيزا في السودان ونقول انه طالما وجد جماعة من الناس فهذه بيئة مناسبةله فالثابت الوحيدوالمشترك بين كل تجاربه كان هو الممثل الذي يريد ان يقول شبئا والجمهور الذكي..والمسرح الحر يعمل وفق تحالفات تكتيكية واستراتيجية مع الجهات ذات الصلة طالما ان ذلك لايمس مضمون العمل ولا يوجه الخطاب العام.. خصوصية تعريف المفهوم والتي لاتدين للمتعارف عليه كما اشرت اليها لا تعني التعالي على الخبرة الانسانية بقدر ماهي تدين الى خصوصية التجربة المسرحية في السودان فهي الحاضن والمفسر لبروز المسرح الحر وتبلوره كممارسة ضرورية يتساوى وجودها مع الوجود المعافى والمستنير للمسرح عندنا ، فالممارسة المسرحية عندنا اتخذت اتجاهات متباينة ولكنها تشترك في كونها تنأى عن التراكم المفضي للتطور حيث ان فرع منها اتخذ الطريق السهل للنجومية السريعة حتى ( انمسخ) وعاد الى طفولة التجربة المرتبطة بالمونولوج والنكتة . وجانب اخر اصبح عينه على الربح وهذا ارتبط ب" تجار المسرح الجدد" وهم فئة ذات ارتباط مريب بالسلطة ولايعنيهم المسرح الا بمقدار مايضيف الى جيوبهم وهؤلاء (والحمد لله) قادهم ذلك - بقدر كبير ،الى التلفزيون ودرامته واعلاناته . وبالطبع هناك بعض التجارب الفردية لبعض مثقفي المسرح والذين ظلو قابضين على جمرته ولكن صفتهم هذه- اي الفردية، هو مايعيب تجربتهم ويكاد يجعلها بلا تاثير يذكر .اما الجذر الاساسي للمسرح فصار ملكا (حراً) لفرد واحد يصيغ له التصورات والقوانين ويعرف المسرح في السودان باسمه في كل المحافل المحلية الرسمية والاقليمية والعالمية !!وهو يستغل في ذلك زمرة من الاكاديميين والساسة والصحافيين والمتصوفة !! ومع غياب المواسم المسرحية المنتظمة ( وله في ذلك يد طولى بلا شك) صار هو المعبر الوحيد للمسرح
ذا، فالظرف العام بانغلاقه الا من مسارب لا تحتمل طاقة وجود المسرح الكمية والنوعية كان يتطلب حدوث اختراق ما، اختراق لصالح المسرح والممارسة الحرة التي تراهن على تراكم مثمر وايجابي يوسع من فضاءات الممارسة ويعيد للمسرح وجوده كمنبر جماهيري ويعيد للجماهير ثقتها فيه كخطاب مفتوح ومحفز ومبتدر للنقاش . منبر مفتوح يعبر من خلاله وبادوات المسرح كل من يرغب دون نظر الى انه من الاقاليم او من الاهل استطاع المسرح الحر عندنا ان يحقق ماذهبت اليه الكتابة السابقة ام ان هذا مجرد تنظير ؟ بمعنى اوضح هل استطاعت تجربة المسرح الحر بدوراتها الاربعة ودورتها التاسيسية الاولى والتي كانت تحت عنوان (اسبوع مسرح الشباب) ان تحقق قيم الديمقراطية والمدنية المفتقدة في حركتنا المسرحية ؟ وهل استطاعت ان تتخفف من اعباء الاشكاليات المزمنة التي ظلت ترزح تحت وطأتها الخانقة حركتنا المسرحية ؟ الاجابة على هذه التساؤلات عندنا هي بالايجاب المدعوم بشواهد كثيرة ومتاحة ومبذولة على العموم ، ولا يسع المجال للتفصيل عليه ساقوم بانتخاب شواهد يمكن ان تدلل علي ذلك ونترك الباب مفتوح للمناقشة :
اتاح المسرح الحر الفرصة لاي عرض تقدم له ولم يرفض عرضا قط لاي اعتبار ولم توضع له شروط فنية لقبول او رفض الاعمال. وشارك فيه مسرحيون فاقت تجربتهم الاربعين والخمسين عاما بجانب اخرون كانت مشاركتهم فيه هي تجربتهم الاولى في المسرح . وهذا ليس استسهالا للمسرح بقدر ماهو اعتراف بحق اي ممارس في ممارسة المسرح وكذلك هو اعتراف بان الجمهور هو صاحب التقييم . ولم تقتصر المشاركات فيه في اي من دوراته على جغرافيا معينة سواء كانت داخل او خارج السودان.
ادارة المسرح الحر تتخطى حدود المركز فاعضاؤه منتشرون في كل ولايات السودان التي استجابت للدعوة وكذلك فله اعضاء خارج اطار السودان وهم اعضاء كاملوا الاهلية والحقوق ومشاركين في نقاش كل التفاصيل. وعضويته مفتوحة لكل من يرغب.
بعض الدورات اقيمت على مساطب اسمنتية وباضاءة الشمس !! وبعضها اقيمت في مسرح الفنون الشعبية باضاءة حديثة تم استجلابها من خارج حدود السودان.
عليه، يكون المسرح الحر هو اختراق موضوعي نتج عن حاجة وجودية ومعرفية وجمالية وكخطوة في سبيل تطبيق وتنزيل مفاهيم الديمقراطية والمدنية على الممارسة المسرحية في السودان، وكذلك فهو إشارة الى ضرورة الانتباه الى معوقات الحركة المسرحية وقيودها وهي ليست كثيرة ولكنها قوية ومحكمة الاغلاق وهي استجابة وتماهي مع مفاهيم اجتماعية ( بالمعنى الواسع )متداخلة يمسك بعضها بعجيزة بعض : مثل (القبيلة وشيخها )، (المركز المتورم بكل شئ على حساب الاطراف الهزيلة)، (العرض والطلب، والربح والخسارة، والتسليع للقيم والفكر)، ( الصوت الواحد، الحزب الواحد )، ( العنصرية واقصاء الاخر والشلليات )...الخ . ولا ينكر الا مكابر ان هذه عناوين تصلح لتحليل واقع المسرح في السودان ..المسرح الحر برز بوعي يناهض هذا ويقول ان هذا ممكن ..ممكن ان يكون هناك فعل معافى ومخفف من هذه الاحمال فعل لا يدين الا للحق والخير والجمال ويضع عينيه صوب مستقبل افضل يقوده المسرح في مستواه العام ، واضافة لتجربة المسرح ذات خصوصية ويمكن ان تدرس وتعمم ويستفاد منها . وقيمة المسرح الحر انه لم يراهن على حلول او وصفات جاهزة بل قام باستنباط الياته وادواته واختبرها وكل هذا في اطار واقعه المعشوشب بالطفيليات والذاخر بنباتات الزينة والظل بعض الدورات قامت بالجهد الذاتي للمشاركين وبعضها قام بدعم من بعض الوزارات وبعض المثقفين في المهاجر وبعضها تم برعاية المجلس القومي . ولم يحقق او يقصد تحقيق اي ارباح
استنهض مثقفين من خارج المسرح للمشاركة في منتدياته بغرض اضافة اصوات ورؤى جديدة وكسر التكرار والاجترار السائد
ابتدع طريقه الخاص في تنظيم النقد التطبيقي ووجهه لقياس المؤشرات والاتجاهات العامة وهذا بالتكامل مع تقرير لجان التحكيم التي حاولت رصد الممارسة بالنسب المئوية مع بذل النتائج للنقاش العام ..تحت الشمس . (نواصل )قانيم !! من المركز او من الهامش، مع السلطة او ضدها ،عميق كان او ضحل، وسيم او دميم ..باختصار فالممارسة المسرحية كان لابد لها من ممارسة الديمقراطية قبل ان تنادي بها ..ان تنبذ الصوت الواحد فيها قبل ان تبشر بنبذه على مستويات اخرى ..ومن هنا ولدت فكرة ..وتجربة المسرح الحر لم تتوقف على حقيقة انها مسار لتراكم ايجابي يفيد حركة وتطور المسرح فكريا وجماليا فقط ..فهي ذات تاثيرات اخرى على البيئة العامة ولها مداخل ومواقع ومستويات اخرى يمكن قراءة
تاثيراتها فيها ومن خلالها فهي قد وضحت حقائق ابرزها ان المسرح ينشأ بالوعي والاصرار قبل ان يكون فعلا نبيلا مجسدا على الخشبة وان صناعته لا تقوم فقط بامرة شيوخ القبيلة وانه ليس من ضروب السحر المملوكة اسراره وطلاسمه لتمتمات شفاه معينة .هذه الحقيقة البديهية التي اكدها المسرح الحر والتي رفعت حواجب الدهشة لدى العديد من المسؤلين عن حركة الثقافة فهي ايضا هددت مصالح من كان يروجون لعكسها ويتكسبون من طرحهم لذاتهم كسحرة لا ترفع الستارة الا استجابة لطلاسمهم ذات القراباذا فالمسرح الحر مارس فعل الوعي على مستويات متعددة من بينها انه وضح ان التنظيم للفعل المسرحي يمكن ان يكون بدروب وطرائق متاحة فخلف الجدار الهش تحتجز طاقات تؤمن بالفعل كقيمة في حد ذاته وهم قوم مؤمنون بفكرهم وعلى استعداد لبذله بمقابل اسماع صوتهم والمساهمة في تطوير مجتمعهم وبالتالي فهذا جعل هناك اعادة نظر وتقييم للمسرحي وممايزة له عن باقي حرفيين الارض وهذا بقدر ماهو مدعاة للاعجاب الا انه ايضاً مدعاة للتساؤل..تساؤل عن اصل الصورة الذهنية التي كرستها الممارسة السابقة وصورت المسرحي باعتباره حرفي يقبض الثمن مقدما قبل ان يعتلي الخشبة ..وتساؤل ايضا عن ذاك الفقر الفائح رغم البذل وتساؤل ايضا عن واذا كان الحال كذلك فلماذا هناك (نفاج) واحد وصناع الفعل محتجزون خلف الجدار ؟ ولمصلحة من تم هذا ؟ والاسئلة تتناسل وتنمو وتجذب الغطاء رويدا رويدا وتبدأ الملامح في التكشف ..وتستدعي الاسئلة شواهد وتدخل ملاحظات من شاكلة ( واذا كانت الدولة هي ام المسرح فلماذا يجوع طفلها الرضيع " ايام الخرطوم المسرحية" حتى الموت بينماتبذل حليبها سخيا لطفل ليس من صلبها ؟ واسئلة وملاحظات اخرى غير مترابطة ظاهريا ولكنها في محصلتها ستشكل ملمحا كليا للصورة ين الباهظة ..القرابين التي ببذلها (رعاة) بطيب خاطر ومن هنا فالتجربة فتحت ابوابا ونوافذ دخلت منهانسائم للبعض وللبعض اعاصير إذا، تجربة المسرح الحر وبوصفها هزة قوية للوعي المسرحي والوعي العام فهي تحتاج حتى تستطيع إكمال مساهمتها وخلق تغيير ملموس إلى ان نؤسس على مكاسبها التي افردنا لها مساحات في ماسبق والتي يمكن تلخيص اهمها للتذكير : ضرورة الممارسة انطلاقا من مفاهيم الديمقراطية والمدنية وضرورة طرح الأسئلة على كثير من الثوابت في حركتنا المسرحية وخاصة وأن ثقوبها تعمل على تسريب جهدنا المسرحي وتفرغه من جل محتواه وبالتالي تخفف من تأثيره وثقله. .وايضا ضرورة مراجعة مسألة تقسيم (الثروة والسلطة) وفض الاحتكار الأحادي الذي ظلت حركتنا تعاني منه منذ عقود وكذلك هناك ضرورة أن يأخذ الشباب حقهم في إدارة وممارسة المسرح ويجد ذلك تفهما.وحتى لو لم يجد ذلك تفهما .فأنا قصدت إلا اقول (يمنحون حقهم) ..على الشباب استلام زمام المبادرة والفضاء الآن مفتوح والتمويل والإعلان عبره متاح وتجربة المسرح الحر أثبتت أن الامكانيات المادية يمكن أن تكون مسألة ثانوية لو توفر الإصرار والوعي بأهمية أن يكون هناك حراك وممارسة وهذه ليست مثالية فالمسرح الحر الآن وبعد أن أثبت وجوده لا أظن أنه سيعاني من مسألة التمويل في الدورات القادمة فالحمد لله ولا أذيع سرا أن هناك العديد من المبادرات لتمويله من الداخل ومن الخارج..وهذا يؤكد لنا حقيقة أن العمل والسعي الجاد فيه رغم المعاكسات و (العسس ) ورغم مصالح شيخ القبيلة!! وتوابعه من المتكسبين ولاعقي الأحذية وحارقي البخور فإنه لامحالة سيؤتي اكله ..
*ملحوظة: هذه المادة نشرها الاستاذ علي سعيد بصفحتة الشخصية علي الفيس بوك في مقالات من (1-8) وقدقمنا بنشرها في مجموعة نادي المسرح الحر واتساب وننشرها هاهنا على مدونتا مسرح السودان الحر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق