الأربعاء، 29 مايو 2013

عن عرض (فورة التنور( لوحة مسرحية لسؤال الوجود الأول



عن عرض (فورة التنور(
لوحة مسرحية لسؤال الوجود الأول





الاستاذ ياسر فايز والاستاذة سهير عبد الحمن

الاستاذ ياسر فايز والاستاذة سهير عبد الحمن
ياسر فايذ محررال ملف والمؤلفة والناقدة سهير عبد الرحمن
أعده – المحرر
الملف الثقافي لصحيفة الاخبار (طلع)
أكثر العبارات التي علقت بذهن الجمهور هي حوار المرأة مع الرجال الثلاثة (وهو مقتبس عن قصة سيدنا يوسف).. إذ يقول لها الرجال "قددتِ القميص من دبر". فتقول لهم "لطختموه بدم كذب". يقولون: "ألْقَيتِ به في السجن". تقول: "ألْقَيتُم به في الجُب. أنتم بسبب الغيرة وأنا بسبب الحُبّ". بمقارنة الدافع والنتائج، نجد أن المرأة كانت أسمى!
(
فورة التنور) كان أكثر العروض التي أثارت اهتمام المسرحيين والجمهور بمهرجان البقعة المسرحي في دورته الأخيرة، وقد حاز العرض على على الجائزة الكبرى حيث جمع جوائز الإخراج والتمثيل الأولى للنساء، لهدى مأمون، وجائزة التأليف، لسهير عبدالرحمن؛ كما ترشح العرض لجائزة السينوغرافيا ولجائزة الموسيقى والمؤثرات الصوتية بدخوله القائمة القصيرة للجائزتين. نلتقي بكاتبة النص وهي ناقدة مسرحية وكاتبة إذاعية، سهير عبد الرحمن التي تحكي هنا عن دخولها إلى حقل الكتابة المسرحية بنص ذي مرجعية فكرية وبنية لغوية مختلفتين.

تقول: لدي تجربة في الكتابة الإذاعية والتلفزيونية وأكتب خواطري، لكني لم أكتب للمسرح قبلها. هدى قرأت كثيرا من خواطري المكتوبة وتعرفت عليها وعلى لغتها، وقذفت إليّ بالفكرة.. أن أكتب للمسرح أمر مخيف، أزعم أن الكتابة في مجالات الإبداع الأخرى أسهل، باعتبار أن من يستنطقها هو المتلقي، لكن في المسرح فإن من يستنطق الكتابة هو المؤدي إذ إنه من يحولها إلى فعل مسرحي؛ فاستهلكنا زمنا طويلا في الحوار والتعديل. وحتما ثمة حضور ما لخلفيتي في النقد المسرحي إلا أن النقد هو قواعد متبعة أو مفترضة لتحليل نص أما التأليف فهو إبداع بحت.

العلاقة مع مخرجة النص
قبل عامين عبر مسرحية (احتراق) لكاتب سوري تدور حول قضية المرأة، والتي عرضت بمهرجان البقعة وحازت على جائزتي التمثيل والإخراج، كنت مقدمة للورقة النقدية حول العرض، بعدها تناقشت مع المخرجة ومنذها بدأت العلاقة مع هدى مأمون. الكاتب بالطبع لا ينفصل على الإخراج فهو يملك رؤية إخراجية لكن بالطبع ليس من المفترض أن يلتزم بهذه الرؤية، والتعامل مع مخرج ذي مقدرات يمكن الوثوق بها، فحتما سيضيف إلى النص وهذا ما فعلته هدى مامون وعلاقتي بها ساعدت على إنجاح العرض أعتقد لوجود عميق الصدق في هذه التجربة.

الكتابة بثيمة المرأة
المرأة هي أصل الأشياء وجل الجدل مثار حولها، ليس بمعزل عن المجتمع بل بعلاقتها مع الرجل تشكل المجتمع، وتناولت قضايا عالقة في هذه العلاقة وبحثت عن العلة والدافع، لكني أعتقد أن ما يميز هذه الكتابة ليس قضية المرأة بل الكتابة في قضية المرأة بهذه اللغة وبمعالجة القصص الديني. بالطبع فإن من حق الجميع تفسير العرض، وفق موروثاته الثقافية والدينية والتاريخية وغيرها، إذ إن أي تفسير منطقي، يحسب ثراء للنص، لكنني قصدت ان اطرح سؤالا وجوديا لذا استدعيت (آدم وحواء) باعتبارهما سؤال الوجود الأول.

الاشتغال على الخطاب الديني
اتكأت على موروث الأديان حول الموضوع خصوصا القصص الديني بعد دراسة متأنية في الأديان في يمكن القول بأنه محاولة لإعادة قراءة التاريخ الديني وليس لإعادة إنتاجه، بوصف الدين مصدرا فكريا وبوصفه مرجعية لكثير من التشريعات، وبالتسليم بأن القرآن "صالح لكل زمان ومكان" فإن له قدرة حسم الجدل الحاصل الآن والذي يمكن أن ينتج ضمن أزمان قادمة، وهذا لا يتناقض مع التأكيد على أن الخطاب الديني خطاب عقلاني ويدعو إلى التفكير الذي هو ليس حكرا على أحد أو على فئة، وبفهم أن الدين ذو أصل واحد لكن الكتب السماوية تتعدد، ويتمايز القرآن بوصفه محفوظا عن التحريف.. يمكن الاستعانة بتفاسير القرآن لكن يظل لدي تفسيري الخاص وفقا للبحث في دلالات اللغة وسياقاتها...

إعادة ترميز اللغة
هناك عبارات معروفة مرجعيتها مثل قول الفيتوري (الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء) وهناك أخرى لمبدعين تحولت إلى حكمة مثل مقولة شكسبير الشهيرة (نكون او لا نكون)، وبعدها يتم استخدامها ضمن تركيب لغوي جديد.. عموما فان اللغة المستخدمة هي شعرية في طابعها النطقي لكن في دلالاتها تدعو إلى التفكير، وهناك حشد للعبارات ويبدو أن النص كأنه مجموعة لوحات لكن هناك استدعاء للأنبياء الذين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالماء الذي هو محرّض الاستدعاء ومحركه.. وحضور ماء التكوين (ماء المرأة) وماء الحياة (ماء الرجل) باستخدام فكرة الأرض العطشى فالماء شرط وجودي أساسي.

سينوغرافيا العرض
ولاستدعاء الماء كان هناك البئر في وسط خشبة المسرح تعلوه النخلة التي هي رمز لعطاء المرأة، واستخدمت النخلة لوجودها في قصة مريم (عليها السلام) ولوجود قصة (النخلة الحمقاء) في المنهج المدرسي السوداني، التي ظلت تثمر رغم أن الصغار ما فتئوا يرشقونها بالحجارة.
أما المرأة خارج الستار على يسار المسرح والتي ظلت تتداخل في الحوار بعبارات مفتاحية بين حين وآخر مع الممثلين (المرأة والرجال الثلاثة) على خشبة المسرح، وكأنها راوٍ عليم، فقد كانت بمثابة تاريخ سابق فهي تعرف سلفا ما يدور داخل خشبة المسرح وما سيؤول إليه. لكنها غادرت قبيل نهاية العرض وهذه رؤية المخرجة.

انفتاح العرض
العرض جاء بثيمة المرأة، لكن هذه كتابة للإنسان أينما وكيفما كان، ورغم حضور بعض الاقتباسات من روضة الحاج ومحمد مفتاح الفيتوري إلا أن النص اشتغل على البعد الإنساني العام وليس على الفضاء السوداني، لكن اللغة في الأدب مقصودة لذاتها وداخل سياقها الحضاري، فحتما ستكون اللغة عائقا في تقديم هذا العرض في سياق حضاري آخر لكن يمكن ذلك بإعادة الاشتغال على النص في اللغة المقصود التقديم فيها
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق