في ذكرى اليوم العالمي للمسرح..
دفاعاً عن شباب الحركة المسرحية ضد قوى التعصب الجديد
أمين صديق

استاذ أمين صديق
صحيفة القرار الملف الثقافي السبت 30مارس
(منذ زمن سالف بعيد حلت قوة التعصب عدم تحملها لممثلي الكوميديا الهزلية بطردهم الى خارج البلاد. واليوم يواجه الممثلون وجماعات المسرح الصعوبات في العثور على المسارح العامة ودور العرض وحتى المشاهدين... كل ذلك بسبب الانهيار الاقتصادي، لذلك لم يعد الحكام مهتمين بأمر السيطرة على أولئك الذين يعبّرون عن أنفسهم بالسخرية والتهكم، طالما لم يعد هناك من مكان للممثلين، بل ولا يوجد جمهور نظارة لمخاطبته)
هكذا ابتدر داريو فو، الأديب والمسرحي الإيطالي رسالة اليوم العالمي للمسرح بعنوان (من يخاف المسرح؟)، لم يشأ داريو فو أن ينسى المسرحيون تاريخ التعصب القديم ضدهم بالرغم من تخطي ذاكرة الحركة المسرحية له، أراد أن يربط ذاكرة الشباب الغضة بيضاء السريرة بالأيام السوداء في تاريخ مجاهدات سابقيهم، وبالرغم مما يبدو من مأساوية في سياق الرسالة ودرجة من الرهبة والحذر إلا أن مقالة داريو فو تتماسك كالصخرة في مواجهة الأسى الذي خلفته الأزمات الرأسمالية الاقتصادية المتلاحقة والذهنية المتعصبة ضد أجيال التنوير الثقافي التي ما فتئت تتبنى المسرح حركة ووسيلة وتمضي في الطريق الوعر غير عابئة بالصعوبات والتهديدات الهائلة التي تجتاح أمانيهم وتترصد خطواتهم مثلما صورها في ختام رسالته داريو فو
(وعليه، فالحل الوحيد للأزمة يكمن في الأمل بتنفيذ اقصاء واسع منظم ضدنا، وخصوصا ضد الشباب من الذين يرغبون في تعلّم فن المسرح: شتات جديد للكوميديا لصناع المسرح، الذين يستخلصون من مثل هذا العبء الثقيل منافع مستحيلة التصوّر بلا شك لأجل تمثيل وتشخيص جديد)
فكأنه يقرأ شعوباً أخرى في العالم من صفحة بين يديه، فقد ظل المسرح عندنا يمتص من بؤرة خفية عابقة بالحنين والصلابة أجيالاً متكاتفة من الشباب الذي يؤمن به كالخرافة أو كالأساطير! فالكل شهد ما شهدناه خلال أزمنة القحط والجدب الثقافي تراجع مقدرات الحركة المسرحية إلى هباء الابتذال وترف المقال، وتوقف نبض الفنانين المسرحيين داخل قلوب حانقة مبحلقة في الساحة المسرحية التي غصت بكل ماهو هزلي لحد الهزال، وكل ما هو تحكمي لحد رفس أماني الأجيال! ولما لم يتوقع أحد أن يؤمن أحد بالمسرح! اجترحت أجيال من الفجأة معجزة استمرار انتمائها للمسرح العجيب! واستمر خيط اتصال التجربة مبتسرة ومحتقنة ومحاصرة، ولكنها لخيبة ظن الكثيرين.. مستمرة!
لقد ظل الشباب يرفدون الحركة المسرحية بروحهم التواقة المثابرة في كل أزمنة القحط والرخاء على حد السواء، بل إنه لن يكون من المبالغ فيه ولا الغريب أن نقول أن وجود ما يمكن تسميته بالروح المتشبثة بالحياة للحركة المسرحية في السودان هي روحهم، فرقهم المتعاقبة هي من ظل يدق إيقاعاً مميزاً في مختلف بقاع السودان، فرق جوالة تجوب البلاد على أسطح قطارات السكة حديد الحية آنذاك، وعلى جوالات مكدسة داخل صناديق لواري الشمالية، وعلى أرجلهم، متمسكين بشماعات بصات أبو رجيلة أو برنسات زمان! طلاب وخريجين صاروا الآن شيوخاً، ألفوا وأنتجوا عروضاً مسرحية كتب لأندرها الظهور واندثر أكثرها بفعل عادية تجاهل فعل الشباب! هل كانت السديم سوى فرقة شباب! لم نعد نذكر من أعمالها سوى (مأساة يرول)! وكأن كل فعلها في دعم روح التجربة المسرحية والتماسك قربها كان أقل قوة من عرض واحد كتب له أن يذكر! وماذا كانت فرق مثل ( جماعة مسرح شوف)، و(فرقة الساحة الشعبية)، و( الجمام المسرحية)، وغيرها، وقبلها ( فرقة النفير) تفعل؟ ألم تكن تحافظ على اتقاد جذوة الفعل المسرحي وصلته بجماهير مجردة من قدرتها على الاختيار بفعل وقوف الدولة على الحياد دون تقديم أي عون خاص لفرق الشباب! ألا تظل الآن فرق مثل (جماعة مسرح السودان الواحد) أو (وهج) أوالورشة الجوالة المسرحية والورشة المستمرة لفنون العرض وقائمة لا تيعها الصفحات من أسماء فرق الحاضر تنفخ بما تبقى من هواء نقي في صدورنا مجاهدة أن تبقي على شعلة الفعل المسرحي مضيئة؟! وبالرغم من ذلك يفترض معظم المهتمين بالشأن المسرحي أن الفضل في صمود الفعل المسرحي وانتشاره مقصور على رواده الأواسط؟ ونحن لا ننكر فضلهم ومثابرتهم على الأمر، ولكننا ندعو إلى نظرة فاحصة لحصاد مرحلة ممتدة من أواخر الثمانينيات إلى الآن يعود فيها معظم الفضل في تشبث هذا الفعل المسرحي المحاصر بالحياة إلى أجيال من الشباب الذين أفنوا ربيع قواهم في محاولات أقرب إلى الحلم لتقريب الشقة بين جهدهم والواقع المزيف أو المتحكم فيه رغم أنف وجودهم، فرق أخرى من الشباب المثابر تحمل عروضها على ظهر بص سفري، أو عربة صديق، تمشي أياماً من وإلى أمكنة البروفات، في البرد والحر، بلا سند من خريجين قبلهم أو أساتذة، فقد انفصم الزمن وتقطعت بالأجيال السبل أو المصالح!! ولكنهم ظلوا يؤسسون فرقاً ويقترحون عروضاً، يزورون المهرجانات المتقطعة الرسمية، بحثاً عن اعتراف، ويتمسحون في ظلال نجوم قبلهم علهم يَنْسَحِرون فَيُعْرَفُون! نعرفهم بظلال ملامحهم التي لا تسكن الذاكرة، نبتسم لهم بتعب ومحبة فاترة، ونتذكرهم للحظات بعد عروضهم المدهشة، ثم ننساهم في زحمة البحث عن مكاننا في أسفل درجات الحياة! إنهم أجيال رسالة اليوم العالمي للمسرح 2013م، الذين يرى داريو فو أنهم هدف الهجمة القادمة من قوة التعصب الجديد
(وعليه، فالحل الوحيد للأزمة يكمن في الأمل بتنفيذ اقصاء واسع منظم ضدنا، وخصوصا ضد الشباب من الذين يرغبون في تعلّم فن المسرح:شتات جديد للكوميديا لصناع المسرح، الذين يستخلصون من مثل هذا العبء الثقيل منافع مستحيلة التصوّر بلا شك لأجل تمثيل وتشخيص جديد).
لهم التحية دائماً كلما خرجوا من رحم مرحلة، وكلما أطلوا من غيب غير متوقع ليحملوا راية الصبر والمجاهدة، ولنا أن نحلم معهم بأننا سنراهم يوماً ما أملنا الوحيد في استمرار فعلنا ما دمنا في محكم الأمر سنتحول حتماً إلى ذكرى تطيب أو تسوء حسب انعكاسها في مرآة ذاكرتهم، فهم الورثة ونحن الميتون
دفاعاً عن شباب الحركة المسرحية ضد قوى التعصب الجديد
أمين صديق
![]() |
استاذ أمين صديق |
صحيفة القرار الملف الثقافي السبت 30مارس
(منذ زمن سالف بعيد حلت قوة التعصب عدم تحملها لممثلي الكوميديا الهزلية بطردهم الى خارج البلاد. واليوم يواجه الممثلون وجماعات المسرح الصعوبات في العثور على المسارح العامة ودور العرض وحتى المشاهدين... كل ذلك بسبب الانهيار الاقتصادي، لذلك لم يعد الحكام مهتمين بأمر السيطرة على أولئك الذين يعبّرون عن أنفسهم بالسخرية والتهكم، طالما لم يعد هناك من مكان للممثلين، بل ولا يوجد جمهور نظارة لمخاطبته)
هكذا ابتدر داريو فو، الأديب والمسرحي الإيطالي رسالة اليوم العالمي للمسرح بعنوان (من يخاف المسرح؟)، لم يشأ داريو فو أن ينسى المسرحيون تاريخ التعصب القديم ضدهم بالرغم من تخطي ذاكرة الحركة المسرحية له، أراد أن يربط ذاكرة الشباب الغضة بيضاء السريرة بالأيام السوداء في تاريخ مجاهدات سابقيهم، وبالرغم مما يبدو من مأساوية في سياق الرسالة ودرجة من الرهبة والحذر إلا أن مقالة داريو فو تتماسك كالصخرة في مواجهة الأسى الذي خلفته الأزمات الرأسمالية الاقتصادية المتلاحقة والذهنية المتعصبة ضد أجيال التنوير الثقافي التي ما فتئت تتبنى المسرح حركة ووسيلة وتمضي في الطريق الوعر غير عابئة بالصعوبات والتهديدات الهائلة التي تجتاح أمانيهم وتترصد خطواتهم مثلما صورها في ختام رسالته داريو فو
(وعليه، فالحل الوحيد للأزمة يكمن في الأمل بتنفيذ اقصاء واسع منظم ضدنا، وخصوصا ضد الشباب من الذين يرغبون في تعلّم فن المسرح: شتات جديد للكوميديا لصناع المسرح، الذين يستخلصون من مثل هذا العبء الثقيل منافع مستحيلة التصوّر بلا شك لأجل تمثيل وتشخيص جديد)
فكأنه يقرأ شعوباً أخرى في العالم من صفحة بين يديه، فقد ظل المسرح عندنا يمتص من بؤرة خفية عابقة بالحنين والصلابة أجيالاً متكاتفة من الشباب الذي يؤمن به كالخرافة أو كالأساطير! فالكل شهد ما شهدناه خلال أزمنة القحط والجدب الثقافي تراجع مقدرات الحركة المسرحية إلى هباء الابتذال وترف المقال، وتوقف نبض الفنانين المسرحيين داخل قلوب حانقة مبحلقة في الساحة المسرحية التي غصت بكل ماهو هزلي لحد الهزال، وكل ما هو تحكمي لحد رفس أماني الأجيال! ولما لم يتوقع أحد أن يؤمن أحد بالمسرح! اجترحت أجيال من الفجأة معجزة استمرار انتمائها للمسرح العجيب! واستمر خيط اتصال التجربة مبتسرة ومحتقنة ومحاصرة، ولكنها لخيبة ظن الكثيرين.. مستمرة!
لقد ظل الشباب يرفدون الحركة المسرحية بروحهم التواقة المثابرة في كل أزمنة القحط والرخاء على حد السواء، بل إنه لن يكون من المبالغ فيه ولا الغريب أن نقول أن وجود ما يمكن تسميته بالروح المتشبثة بالحياة للحركة المسرحية في السودان هي روحهم، فرقهم المتعاقبة هي من ظل يدق إيقاعاً مميزاً في مختلف بقاع السودان، فرق جوالة تجوب البلاد على أسطح قطارات السكة حديد الحية آنذاك، وعلى جوالات مكدسة داخل صناديق لواري الشمالية، وعلى أرجلهم، متمسكين بشماعات بصات أبو رجيلة أو برنسات زمان! طلاب وخريجين صاروا الآن شيوخاً، ألفوا وأنتجوا عروضاً مسرحية كتب لأندرها الظهور واندثر أكثرها بفعل عادية تجاهل فعل الشباب! هل كانت السديم سوى فرقة شباب! لم نعد نذكر من أعمالها سوى (مأساة يرول)! وكأن كل فعلها في دعم روح التجربة المسرحية والتماسك قربها كان أقل قوة من عرض واحد كتب له أن يذكر! وماذا كانت فرق مثل ( جماعة مسرح شوف)، و(فرقة الساحة الشعبية)، و( الجمام المسرحية)، وغيرها، وقبلها ( فرقة النفير) تفعل؟ ألم تكن تحافظ على اتقاد جذوة الفعل المسرحي وصلته بجماهير مجردة من قدرتها على الاختيار بفعل وقوف الدولة على الحياد دون تقديم أي عون خاص لفرق الشباب! ألا تظل الآن فرق مثل (جماعة مسرح السودان الواحد) أو (وهج) أوالورشة الجوالة المسرحية والورشة المستمرة لفنون العرض وقائمة لا تيعها الصفحات من أسماء فرق الحاضر تنفخ بما تبقى من هواء نقي في صدورنا مجاهدة أن تبقي على شعلة الفعل المسرحي مضيئة؟! وبالرغم من ذلك يفترض معظم المهتمين بالشأن المسرحي أن الفضل في صمود الفعل المسرحي وانتشاره مقصور على رواده الأواسط؟ ونحن لا ننكر فضلهم ومثابرتهم على الأمر، ولكننا ندعو إلى نظرة فاحصة لحصاد مرحلة ممتدة من أواخر الثمانينيات إلى الآن يعود فيها معظم الفضل في تشبث هذا الفعل المسرحي المحاصر بالحياة إلى أجيال من الشباب الذين أفنوا ربيع قواهم في محاولات أقرب إلى الحلم لتقريب الشقة بين جهدهم والواقع المزيف أو المتحكم فيه رغم أنف وجودهم، فرق أخرى من الشباب المثابر تحمل عروضها على ظهر بص سفري، أو عربة صديق، تمشي أياماً من وإلى أمكنة البروفات، في البرد والحر، بلا سند من خريجين قبلهم أو أساتذة، فقد انفصم الزمن وتقطعت بالأجيال السبل أو المصالح!! ولكنهم ظلوا يؤسسون فرقاً ويقترحون عروضاً، يزورون المهرجانات المتقطعة الرسمية، بحثاً عن اعتراف، ويتمسحون في ظلال نجوم قبلهم علهم يَنْسَحِرون فَيُعْرَفُون! نعرفهم بظلال ملامحهم التي لا تسكن الذاكرة، نبتسم لهم بتعب ومحبة فاترة، ونتذكرهم للحظات بعد عروضهم المدهشة، ثم ننساهم في زحمة البحث عن مكاننا في أسفل درجات الحياة! إنهم أجيال رسالة اليوم العالمي للمسرح 2013م، الذين يرى داريو فو أنهم هدف الهجمة القادمة من قوة التعصب الجديد
(وعليه، فالحل الوحيد للأزمة يكمن في الأمل بتنفيذ اقصاء واسع منظم ضدنا، وخصوصا ضد الشباب من الذين يرغبون في تعلّم فن المسرح:شتات جديد للكوميديا لصناع المسرح، الذين يستخلصون من مثل هذا العبء الثقيل منافع مستحيلة التصوّر بلا شك لأجل تمثيل وتشخيص جديد).
لهم التحية دائماً كلما خرجوا من رحم مرحلة، وكلما أطلوا من غيب غير متوقع ليحملوا راية الصبر والمجاهدة، ولنا أن نحلم معهم بأننا سنراهم يوماً ما أملنا الوحيد في استمرار فعلنا ما دمنا في محكم الأمر سنتحول حتماً إلى ذكرى تطيب أو تسوء حسب انعكاسها في مرآة ذاكرتهم، فهم الورثة ونحن الميتون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق