السبت، 1 يونيو 2013

تحليل نص مسرحية عرس الدم


كتب: الاستاذ الناقد موسي ابراهيم
                تحليل مسرحيةعرس الدم 

المقدمه:-                                  
اننى هنا لست بصدد الحديث عن من هو لوركا هذه الروح المبدعه الاسطوريه التى لايزال النقاش والجدل حولها لم ينتهى بعد , هذه الروح التى تتدفق بشحنه من الرقه الكهربائيه والفتنه ويلف مسمعيه بجو اخاذ من السحر فيأسرهم حين يتحدث او ينشد الشعر او يرتجل مشهدا مسرحيا اويغنى او يعزف على البيانو .

على الرجال الكبار الا فرار من الموت الا الى الموت . الشهيد الذى قرح العيون اسبانيا وجفونها وهى تبكيه على الرغم مما كانت فيه من الويلات والرعب فكانت تبكي بذلك نشيدها الخالد على فم الزكان نشيد الحريه المغمسه احرفه بالدم كعرسه الدموي انه ذلك الوجه الذي يلخص حزن الاسبان.
اعتقد ان نص مسرحية عرس الدم هى من اجمل النصوص للشاعر لوركا الذي جذب انتباهى وتمكنت من تحليل النص وتوضيح السمات الاساسيه والفكره الكليه للنص .
وذلك بمساعدة الاخرين في هذا المقام الشكر لجماعة مسرح السودان الواحد الذى ساندتني ووقفت بجنبى بكل مالها من خبره والشكر للمخرج عبدالمنعم حسن وايضا للسفاره الاسبانيه بأهتمامها بالابداع والمبدعين وخصوصا في اسبانيا , ووقفت في اهم تجربه في تاريخ اسبانيا الحديث لشخصيه اسطوريه للشاعر والكاتب لوركا . تمياتي في مقبل الايام ان اتوسع حتى اغوص في اغوار اعمال لوركا .

جانب من الجمهور - تظهر ريضاء في انتظارالعرض
اهدي هذه الورقه لجماعة مسرح السودان الواحد , واخي وشقيقي عثمان ابراهيم وكل المبدعين الحقيقين في ارجاء المعموره . 
السكين ! السكين لعن الله جميع السكاكين , ولعن الله من اخترعها. هذه العبارات التى تتفوه بها الام اثناء حوارها مع ابنها الخطيب في بدايه مسرحيه عرس الدم , هي اذا" مسرحيه القدر الذى لايملك المرء إفلاتا منه والموت منتصرا في النهايه .


انها ماساة الانسانيه ماساتها المتمثله في هذه الرماء التى ترهق في كل زمان ومكان ماساتها التى تكمن في هذه الافراح المخلوطه والمشبوبه بالموت انها تكمن في هذه الاعراس الدمويه .

ان الشهوه والحقد والحب والمصير الماساوي الذي يجلب معه الموت الدامي العنيف هى المواضع الرئيسيه في هذه المسرحيه . ولن الفضاء الاساسي حيث توجد الرض , التربه , التى تملك الشخوص جميعا وتلهمهم , كذلك الصراع بين الاسره العريقه والاخذ بالثائر وعنف مشاعر الحب , في مقابل برود التقاليد الاجتماعيه .

تتلخص حوادث المسرحيه , في اسره ريفيه قفدت بسبب الخلافات القديمه الاب وابنه , ولم يتبقى منها سوى الام وابنها الاخر الذي يشبه الفارس وقد اكتسبته الار ض قوة ساعديه , ولو حتى شمس اسبانيا وجهه النير , احب فتاه جميله كانت مخطوبه لشلب من الاسره المعتديه التى قتلت ابا الخطيب واخاه ويدعى ليونارد من اسره فيليكس ويعزم الخطيب ان يتزوج من محبوبه ليونارد التي تركها , ويعرض ذلك علي امه وتردد عندما تعلم ان الفتاه كانت مخطوبه لاحد افراد اسره " فيليكس " قاتلي زوجها وولدها وتستمر الحوادث , وتثور غيره الخطيب السابق ليونارد  الذي تتزوج من ابنه عم خطيبته السابقه ويلاحق خطيبته التى مازال يحبها , والتى يبدو انها لم تنسه  ايضا ان يحين يوم الزفاف فيدعوكل طرف اقاربه ويدعى ليونارد بخطيبته السابقه , ويتفقان على الفرار وينقزانه , فتكون الكارثه , وتثور في الخطيب الجديد الغيره وحميه اهله فيلاحقون الفارين الى ان يجدوهما فيقتتل الشابان الى ان يقتلا بعضهما بعض .

انها المأساة حقا ان يحتفل الناس باقتران خطيبين ويحتفوا بزفافهما بينما تسرى روح الحقد والبغضاء وحب الانتقام 1.

وينقسم انسباء الزوجين الي معسكريين متقابلين فتجرى الدماء بغزاره دماء العروس وغريمه الذي غلبه على امره حب لايرحم فكان فيه حتفه وعانق الموت ذلك الذى كان علي وشك ان يعانق عروسه.

مشهد من عرض عرس الدم
انها اسمى المشاعر فالحب الجارف الذي لم يسطتع الخطيبان نسيانه ادي الي هذا العرس المضرج الذي تسبب في سيل الدماء وهكذا يكون العرس الدامي ماساة الانسان دائما فلايمر العرس الا بدم .

لكننا لانستطيع تفكيك الدلالات والرموز وفهمها بعمق بمنعزل عن شقيقاتها , فهى جزء من ثلاثية عرس الدم بيرما بيت برنارد البا والتى كتبها لوركا في فترات متفاوته ومختلفه من حياته ولكنها متعاقبه وعرس الدم كانت اولها ايضا نجد ان معظم اعمال لوركا تربطها وحده الموضوع وخاصه هذه الثلاثيه وتمتاز مسرحياته بطغيان طابع الحزن عليها وليس هذا بجديد علي الشعر الاسباني والادب الاسباني عامه .

مشهد حفل الزفاف من مسرحية عرس الدم
وكل هذه المسرحيات جاده وهادفه يتطرق موضوعاتها المعالجه قضايا انسانيا ونجد ماساة المراة الاسبانيه بوضوح تام لكن في عمقها تمثل في مجموعتها ازمه عاشها الشعب الاسباني في فتره حياة الكاتب ومازال يعيشها بعد موته بل هى ماساة يعيشها الناس في كل زمان ومكان , انها ماساة الانسانيه التى تتمثل في هذه الدماء التى تنزف يوميا بسبب تلك التناقضات بين تصرفات الناس الممزوجه بتلك العادات والتقاليد والافكار التى تتوارث ابا عن جد انها ماساتنا ومصيرنا المرعب لان نظرتنا الي الحياة نظر ه عقيمه والمصير المزعج المخيف الذي ينتظره ويقف له بالمرصاد كلما انكسر قلبه هذا القلب الذى اذا ما انكسر فهو كالزجاج لايعود كما كان .

فنحن سجناء العادات والتقاليد , نسوق الى ذلك اليوم الخلاص من هذا الخواء والعبث الي عالم اوسع واجمل واكثر خصوبه وحيويه ونشاط . ولعل هذه الفكره هى التى كانت تسيطر كلا او بعضا على لوركا , وتهيمن على انتاجه الشعري والمسرحي فقد كان دائما يضع الموت والحياة نصب عينيه وقد لخص ماساة الانسان فب هذه الحياة بثلاث كلمات الضياع . ثم الضياع ..ثم الضياع . واذا مااراد الانسان ان يتخلص من هذا الضياع فعليه ان يقدم كل يوم برنامجا جديدا للفرح حافلا بالمناظر الخلابه , الخارقه والجمال الفائق للعاده وان يقدمها يوميا لعيون جديده ومتفرجين جدد .

لقد عرف لوركا كيف يمزج في " عرس الدم " شاعريته القصوى مع الفولكلور الاندلسي الاسباني ليطلع من ذلك بعمل لايزال يقدم في شتى انحاء العالم لجماله ولقوته وربما ايضا لبساطته وشاعريته وهذه شهاده على عبقريه فتى اسبانيا لشهيد هذه العبقريه اغتيلت وفي ابان تفتحها وبواكير عطائها الحافله بالوعود الشهيد الذي قرح عيون اسبانيا وجفونها وهي تبكيه , على الرغم مما كانت فيه من الويلات والرعب فكانت تبكى بذلك نشيدها الخالد على فم الزمان . نشيد الحريه المغمسه احرفه بالدم " كعرسه الدموي " انه ذلك الوجه الذى يلخص حزن الاسبان .

تنبع مسرحيات لوركا من النبع الذي نهل منه شعره من ارض اسبانيا وناسها الطيبين وعامتها من مزارعين , وغجر وعمال فنراه يخصص جزء اكبر من حياته للمسرح لانه امن به , ان التجول في ريف غرناطه او بساتينها القريبه وفي الكشف عن العديد من الثقافات والتقاليد التي كونت اقاليم الاندلس العريقه وفي التعرف الى الغجر الذين قدرلهم ان يكونوا موضوعاته .

عرفة موده احمد يتألقوا في عرض الزفاف الدامي
الارض , القمر , الاطفال , الغجر , لوركا كان مهوسا بالموت ولم يستحضر صديقه القمر هنا رغم انه المكان المناسب له ليس في مكان آخر . على الرجال الكبار لافرار من الموت الا الي الموت هنا سابقى مقيمه هادئه مطمئنه , فهم ماتوا جميعا ومن الان وصاعدا سوف انام بعد منتصف الليل دون ان اخاف الخناجر والمسدسات , الامهات الاخريات سوف ينحنين على النوافذ والشرفات يلسعهن المطر بسياطه في انتظار عودة ابنائهن اما انا فقد انتهى كل شئ بالنسبه الى وسوف اعمل رقادى كحمامه بارده من العاج تحمل ازهار الكميليا النديه الى المقبره المقبره ؟ لا بل مسوى من تراب يحميهم ويهدهدهم في  السماء ابعدي يديك عن وجهي فإن ايامارهيبه سوف تاتي وانا لا اريد ان ارى احدا فقط الارض وانا دموعي وانا . وانا وهذه . الجدران الاربعه او اه .

هذه العبارات القاسيه التي يلوح منها الموت وراحه اليأس في ان معا هى بعض اخر العبارات التى تتفوه بها الام في مسرحيه عرس الدم انها عصب المسرحيه ومحركها , ومع هذا اقلما يلتفت اليها احد من الزين في هذه المسرحيه بالذات يعتبرون الخطيبين والغريم العاشق ليونارد هم محور العمل , صحيح ان هذه الشخصيات الثلاثه تتحرك على الخشبه وفي مايروى لنا حتي حينما لايكون حاضرين وان الاحداث كلها مبنيه على الاعلاقات المعقده بينهم لكن الام , هذا الكائن الواقعي الخرافي في انا معا هنا هى التي تحمل عبس روح المسرحيه لانها تمثل يد القدر وتبدو قرينه للمراة الاخرى المتشمه بالسواد والى تطارد العاشقين الهاربين ممثله الموت في العمل يبدو والاكثر اسبانيه بين كل ماعرفه المسرح الاسباني .

ربما راى كثير في هذه المسرحيه " نبوءة" من لوركا بنهايته التى كانت بدورها اشبه بهجمة القدر نهايه وصفها الشاعر ماتشادو في قصيده يقول فيها .

لقد قتلوا فيدركوفي الساعه يطل فيها الضوء ولم تكن مقرره الجلادين لتجرؤ على مواجهته فاغمضوا اعينهم وصلوا قائلين .

ان الرب نفسه لن ينقذك وسقط فيدركو مجنذلا على جبينه الدم والرصاص في احشائه .


جمهور الزفاف الدامي ويظهر مصطفي بلي



المراجع :

1- فيدريكو غارسيا لوركا -  نص مسرحية عرس الدم -

2- الشبكه العنكبوتيه .. موقع متفرقه .   


 سبتمبر 2011م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق