السبت، 25 مايو 2013

من صور الاضطراب المنهجي في خطاب الهوية (العروبة كثقافة والأفريقانية كعرق )-فتحي محمد الحسن


من صور الاضطراب المنهجي في خطاب الهوية
)العروبة كثقافة والأفريقانية كعرق (
                                      ( كتيب رقم53)
فتحي محمد الحسن
جماعة مسرح السودان الواحاد جانب من جمهور صوت الفنان في الخرطوم

         عن هذا الكتيب 
: من صور الاضطراب المنهجي في خطاب الهوية (العروبة كثقافة والافرقانية كعرق).. دراسة مهمة ومتميزة في موضوعها ، نعتقد أنها سوف تفتح باباً جديداً اذا ما ركز عليها للولوج في مسائل الهوية ، وهي للمفكر والكاتب الاستاذ الصحفي فتحي محمد الحسن ... نشرت في أكثر من عدد بصحيفة الاضواء التي توقفت الان ، ولاهتمام جماعة مسرح السودان الواحد بذات الموضوع ، ذهبنا اليه واستأذناه بخصوص نشرئها في كتيب بغرض تسهيل اقتنائها في الوسط الدرامي والثقافي ، ومحاورتها وإثراء النقاش حولها ، غير أن حوجة الاكاديميين والباحثين في حقل  المسرح الافريقي هي الاخري دفعتنا لذلك ، ففي المنهج القديم والمناهج التي تدرس الان بكلية الموسيقي والدراما ، يقصد بالمسرح الافريقي ، المسرح في البلاد الافريقية غير العربية مثل (نيجيريا ، كينيا ، جنوب افريقيا ... )  بما في ذلك السودان الذى يدرس المسرح فيه منفصلاً بمسي المسرح السوداني أو المسرح في السودان ، أما المسرح في البلاد العربية الافريقية مثل ( الجزائر ، مصر ، تونس ... ) فيدرس ضمن مناهج المسرح العربي ، وهذا يعني أن دراسة المسرح في افريقيا وهو من الحقول الثقافية تتم وفق تقسيمات عرقية ، وبالتالي دراسة افريقيا ومسرحها كعالم منفصل وغير متداخل مع أكبر مجموعة ثقافية وهي الثقافة العربية وهذا بسبب الخلط في المنهج بين العرق الافريقي والثقافة الافريقية ، رغم ان المقصود دراسة المسرح الافريقي جغرافياً ، والذى بالضرورة تبلور من المكونات المحلية وإستيعاب الاشكال الوافدة .
ولا بد من الإشارة الي أن اساتذتنا هم أول من تنبه الي هذا الخلط والاشكال ( الاضطراب المنهجي ) وبالتالي ننفي أي قصدية أو عدائية تجاه افريقيا والعروبة من قبل واضعي المنهج ( المقصود بالمنهج هو المواد والمقررات الدراسية والطريقة التي وضعت بها  ، لان الامور لم تكن بهذا التداخل التعقيد ، وهذا لا ينفي استغلال بعض اصحاب الاجندة والمتربصين بهذا التلاحم الرباني لهذا الاضطراب في المنهج ونأمل أن تعزز الدراسة مواقف الذين ينشدون الخير للانسانية وتعجل بوضع منهج يتجنب هذا الاشكال .
       أما نحن في الجماعة سوف نسعي ما إستطعنا لعمل ورشة فيما يخص هذا الموضوع.الجدير بالزكر ان بعض اصحاب السودانوية العرقية في كلية المسيقا والدراما’ تخلو عن مشوعهم العنصري بعد إطلاعهم وتحاونا معهم في موضوع هذة الورقة ومنهم تصدي بالرد علي الخطاب العنصري
                                                       يوسف أحمد عبد الباقي
ع/ جماعة مسرح السودان الواحد
من صور الاضطراب المنهجي في خطاب الهوية
)العروبة كثقافة والأفريقانية كعرق (
من بين الكثير الذي يميز الحقبة الانقاذية يبرز تصاعد خطاب الهوية وإرتفاع حدته تبعا لارتفاع التوترات السياسية للدرجة التي فرض فيها نفسه كاهم محور في مؤتمر عودة اتحاد الكتاب السودانيين على حساب الاهتمامات الرئيسية لاتحاد الكتاب الباسل ليمنحها بذلك اشارة اضافية على أوهام التوازي بين الثقافي والسياسي أو استقلال الثقافي عن السياسي ، المشكلة في خطاب الهوية السوداني انه لا يبدأ بالتساؤل الابتدائي من نحن ؟ وانما يتفجر سجاليا ومتسائلا حول الانتماء للعروبة كهوية اوسع وفي قسم كبير منه يصدر في صيغة نفي لا اثبات لذلك نلحظ سقوطه غالبا في متاهة التكتيكات السياسية المصاغ لاغراض صراعية محدودة المدى يمكن تغييرها بكل سهولة وتكفي مراجعة سريعة لعلاقة الحركة الشعبية بحلفائها في التجمع الوطني قبل وبعد اتفاق نيفاشا .
ينشأ سؤال الهوية الراهن من مفارقات السوداني للصور النمطية للشخصية العربية ذات البشرة البيضاء والشعر الاملس ... الخ ، وهي سمات لا تتوفر في اغلب السودانيين ببشرتهم الداكنة وشعرهم المجعد ولذلك يقع الغالب الساحق من خطاب الهوية في البداية في خلل منهجي  عندما يبتعد عن مناقشة الموضوع خارج الحقل الثقافي. موضوع الهوية في الاساس موضوع ثقافي ... العرق واللون والجنس لم تعد منذ النصف الثاني للقرن العشرين معايير لتصنيف البشر بعد الويلات التي جرتها في تجليها  النازية على الانسانية ، المقابلة الخاطئة منهجيا تضع العروبة كحقل ثقافي في مواجهة الافريقية بسمات عرقية ، يتساوى في ذلك السياسي العادي والسياسي المثقف والمثقف الكاتب والاديب .. ربما كان مفهوما ان يتعمد السياسي تجاوز المنهجية لاغراض تعبوية او السقوط في فخ اغراء الكسب السياسي السريع والسهل ، لكن المثقف غير معذور في التخلي عن الانضباط المنهجي عند الكتابة في موضوع على القدر من الجدية الحساسية ، وسنعرض هنا نماذج لكتاب وادباء تكشف هذا الاضطراب ، وسنعتمد على اوراق ندوة  " الثقافة والتنمية " التي نظمها مركز الدراسات السودانية بالقاهرة في اغسطس 1999م ، ومقالات الشاعر الكبير \ محمد المكي ابراهيم التي نشرها بجريدة السوداني تحت عنوان  " التاريخ الشخصي للغابة والصحراء في الفترة من 1947 – 2006 م  تم جمعها لاحقا في ورقة بذات الاسم وقدمها في مؤتمر اتحاد الكتاب السودانيين المشار اليه .
      يبتدر عبد المنعم عجب الفيا ورقته المعنونة (الافرو عربية بين الواقع ووهم  الايدلوجية ) بتعريف القراءة المعرفية لسؤال الهوية بانها (تنطلق من الهنا والان من اللحظة التاريخية المتشكلة والتي هي في حالة تشكل من المكون الثقافي والعرقي الموضوعي على ارض الواقع ) ونلحظ هنا انه يضع الثقافي جنبا الى جنب العرقي ورغم ان كل منهما يعمل في مستوى معرفي مختلف ومتعارض في الغالب . وبالتدريج مع تقدمه في الورقة يتعمق هذا الاضطراب المنهجي اذ يعضد وجهة نظر د. عبد الله بولا ويستشهد بقوله ( ان المجذوب انشغل بصدق لا مراء فيه بموضوع اعتبار المكون الزنجي بالذات في مسألة الهوية الثقافية السودانية ) لكن ما هو هذا المكون الزنجي ؟ هل هو ثقافي حضاري ؟ يقول د. بولا مواصلا ( بل هو يقصد المجذوب اول من جرؤ من ابناء جيله من قبيل لاولاد العرب على ان يدعو جهة لاصول زنجية في جملة تكوينه وهذه تحتاج الى شجاعة كبيرة في بلد يتبرأ فيه الناس من العرق الزنجي تبرؤهم من الجذام ) اذا المكون الزنجي المقصود في هذا الاقتباس مكون عرقي لا اكثر ولا اقل استنادا الى مقطع صريح وشهير للمجذوب : وعندي من الزنج اعراق معاندة   وان تشدق في اشعاري العرب ويمضي الفيا للقول في معرض رده على د. عبد الله علي ابراهيم ( والحقيقة ان د.عبد الله هو الذي ساءه ان يلحق هؤلاء المؤرخون نسب الجعليين الذين يعدهم عربا اقحاحا بالعرق الزنجي الافريقي ولكن مهما يكن من امر فان الحقيقة التي انتهى اليها الباحثون بان سكان شمال السودان هجين عربي افريقي لا تنفي ان بعض القبائل تنحدر من نسب عربي صريح كالجعليين مثلا ) ولا يترك لنا السياق لنامل ان الهجين العربي الافريقي المقصود هجين ثقافي فعبارات العرق والنسب لا تترك مجالا للتأويل ويزيد في تعميق المنظور العرقي بقوله ( ان الحرص على الاحتفاظ بدم بعض القبائل العربية نقيا من مخالطة الدم الزنجي يجب الا يحجب الرؤية الموضوعية للأشياء فالقول بالافروعروبية للسودان لا ينفي خصوصية القبائل العربية التي تدعي لنفسها نسباً عربياً قحاً كما لا ينفي خصوصية القبائل الزنجية الكاملة الزنزجة ) ويصل الذروة عندما يصف الشاعر محمد عبد الحي ( الذي ينتمي الى  أ رومه لا تخالطها قطرة دم  زنجى واحدة ومع ذلك يتحدث عن نفسه كسودانى يجمع بين خصائص الزنوجة  والعروبة ) .. عبارات نسب وأرومة لا تخالطها قطرة دم  كلها عبارت دالة علي الاصل بالمعني السلالي والعرقي . يعبر عن هذا المنحني بصورة اكثر  وضوحا ، د. زكي البحيري في ورقته المعنونة ( الثقافة واتجاهات الهوية في السودان في عصر العولمة ) عندما يقول :" نتفق مع يوسف فضل في أن السودان عربي افريقي ، فالسودان العربي السلالات العربية جنوباً ، كلما تحركت العناصر الزنجية نحو الشمال ) ربما يسرف د. البحيري في استخدام سلالة وعتصر التي تحيلنا الي العرق لكنه يقع ايضاً في الخلل المنهجي عندما يحرك الثقافي والعرقي علي مستوي واحد عند القول عن السودان:" إن جل ابنائه مسلمون دينا ، عرب ثقافة واسلوب حياة ، وهجن وافارقة تكوينا ووجوداً ) هنا يقتب كثيراً من تفكير رواد مدرسة الغابة والصحراء خاصة مقولة شاعرنا / النور عثمان ابكر الشهيرة ( رفض هويتي الافريقية حين أفكر .. ورفض هويتي العربية حين اكون ) وبحسب عجب الفيا فإن الاوربي ينظر اليه ثقافياً وفكرياً كعربي  وعرقياً كافريقي ، وتتجسد هذه المفارقة والمقارنة غير المنطقية  في القصة التي حكاها / د. فرنسيس دينق واوردها /احمد محمود في ورقته لذات الندوة وفيها :" وحدثت هذه الحادثة في مترو الانفاق بلندن فبينما كنا نحن عددا من الطلاب السودانيين نتحدث العربية همس احد الرجال الواقفين الي جانبنا الي رفاقه بالعربية انهم يتحدثون العربية ) انها عودة الي مقاربة الشخصية النمطية للعربي التي يعدها الاستاذ / احمد محمود تسطيحاً للامور وخروجاً عن الموضوعية ، من هذه المفارقة خرجت علينا فكرة الغابة والصحراء في محيط الثقافة الاوروبية وفي المانيا تحديداً التي اعاد كل من النور عثمان ابكر ومحمد المكي ابراهيم إكتشاف نفسيهما فيها من خلال ملاحظة الاخر الاوروبي لسواد لونهما الذى لا ينسجم مع لسانهما العربي والذي يفترض ان كل من يتحدث العربية ابيض البشرة أملس الشعر وان اسود البشرة لا بد ان يرطن بواحدة من مئات اللغات المحلية في افريقيا ، من هنا برز شقلء رواد الغابة والصحراءاللوني الذى  يصفه الشاعر الكبير / محمد المكي ابراهيم في ورقته " التاريخ الشخصي للغابة والصحراءء " بدقة معهودة منه ، يقول عن تجربته في ألمانيا ( حين تقول انك عربي كان نفس الاشخاص الطيبون يصارحونك ان فكرتهم عن اشكال العرب كانت مغايرة تماماً وبالمقابل لم يكن يسيراً عليهم ان يفهموا ان اشخاصا يتفاهمون بينهم بالعربي يمكن ان يكونوا زنزجاً افريقيين او ان اناساً سودا يمكن ان يكونوا عرباً تماماً مثل عبد الناصر او ملك الاردن.
سبب ذلك لشاعرنا ورفاقه قدراً كبيراً من الحيرة والارتباك الكثير من التفكير قبل ان يتوصل الي أنهم ( خلطة جميلة ومتفردة من اعراق عربية وافريقية ) من هذا بدأ اللون والعرق يصبحان محوراً في فكرة الغابة والصحراء فهاهو يعود لتمجيد المجذوب( الذي سبق جيله والاجيال اللاحقة باعترافاته الباهرة بالدماء الممزوجة الاصول التي تجري في عروقه ) وينسج علي ذات المنوال في أجزاء أخري من الورقة عندما يقرر ألا يحط من شأن السودان .. أن يكون شعبه خلاسياً مزيجاً من أصول عربية وأفريقية  ، فالي ذلك الاتجاه تمضي الامور في العالم كله وفي افريقيا بالذات ويمضي للقول :" يمكن السفر عبر تشاد الي النيجر التي كان اسمها السودان أول عهدها بالاستقلال وقل أن تجد ما يمنعك من الظن أنك لا زلت داخل الحدود السودانية وتتغير الصورة من الناحية البشرية عند وصولك السنغال حيث تتلاشي المظاهر الخلاسية ويخرج عليك جيل من الجمال الاسود الاخاذ والاكتاف العارية المنحوتة من أجمل أبنوس في الدنيا فتظن نفسك في واو أو جوبا أو أبيي " ..وعن البلاء الانقاذي الذي صورنا كعنصريين يقتلون الافارقة يقول :" أن أفريقيا تمخضنا إحتقاراً نابعاً من القلب ، ومن القلب ، ومن حسن حظنا أنهم يتوقعون أننا بيض الالوان لنحتقر السود ونسترقهم علي ذلك النحو ، وعندما يرون سمرة ألواننا او سوادها يظنوننا من الضحايا  ويعربون لنا عن تضامنهم معنا ضد عرب السودان الملاعين " ... ويضيف " أفريقيا ستكرهنا أكثر فأكثر حين تكتشف أن الذين قتلوا الفور والزغاوة وحاصروا معسكرات لجوئهم هم أناس سود الالوان مثلهم ومثل الضحايا المساكين " .. وفي ختام الورقة يبلغ التناقض ذروته عندما يتنازل عن ما قرره في وسطها " عن رغبته في أن يكون ( شاعراً سودانياً قبل كل شئ وأن أفرض ذاتي علي اللغة العربية وأتخذ لنفسي مقعداً خاصاً في محفل الثقافة العبية ) ثم يغادر الحيز الثقافي عندما يطالب المثقفين بـ ( ايقاظ البلاد من سباتها العنصري ووضع المرايا أمام باصرتها لتري نفسها وتدرك أنها أمة سمراء سوداء لا تستطيع أن تقود أفريقيا ) وفي النهاية ... هل أفادت الغابة والصحراءء كمدرسة شعرية فنيا من هذه المقابلة غيرالمنطقية بين ما هو ثقافي وما هو عرقي ؟ وهل من الانصاف اختزال الافريقية في العرق واللون والدم ؟ وهل سحنتها ؟ وأين البعد الذاتي الاختياري في الهوية ؟
لايستطيع المرء أن يمنع نفسه من الشعور بالدهشة للتكرار الكثيف لمقولات العرق في الخطاب السياسي والجهوي بصورة إعتباطية إذ لا يخلو خطاب سياسي من عبارات " التعدد العرقي وتعدد الاعراق " مقارنة بعبارات التعدد الثقافي وتزداد هذه الدهشة عندما نلاحظ أن هذه العبارات تحتشد في خطاب قوي محسوبة علي الاحزاب الحديثة والتقدمية مثل الحزب الشيوعي فمقولات العرق تتناقض مع حقائق العلم ومفاهيم الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع ... في عالم اليوم لا مكان لأي إدعاءات حول نقاء العرق أو وحدة الاصل السلالي لأي شعب .. وفي السودان لا تستطيع أي مجموعة سكانية ان تدعي وحدة عرقها كقبيلة .
في مقال سابق كنت قد سردت شواهد حول التكوين القبلي في السودان تدحض مقولات العرق وتشير إلي أن القبيلة في السودان كيان ثقافي أكثر منها كيان عرقي ، وهي حقيقة تتصف بها القبيلة في أي مكان في العالم بالنظر الي تاريخ التداخل البشري الطويل جداً الذي يمتد الي ثلاث أو أربعة مليون سنة منذ أن وجد الانسان علي الارض ، وهذا التاريخ الطويل يجعل من الاستحالة تعقب الاصول العرقية حتي بعد التطور المذهل في علم الوراثة ... هذه الحقائق العلمية ليست جديدة فقد لاحظ عالم الانثروبولوجيا المعروف / كولد ليفي ستروس في في دراسة نشررها عام 1971م . أن هناك اختلافات شديدة في نسبة الجينات الوراثية لدي عدة قبائل في امريكا الجنوبية تعيش في المساحة الجغرافية نفسها ثم إن هذه الاختلافات قد تكون علي نفس النحو من الشدة سواء بين في تنتمي لنفس القبيلة أو بين قبائل متميزة من حيث لغاتها وثقافتها وهكذا ... فالقبيلة نفسها – خلافا للاعتقاد السائد – لا تشكل وحدة " حيادية " ( مقالات في الاناسة ) الفكرة السائدة في ألالوان نفسها مضللة شأنها شأن بقية مفردات مقولة العرق ... في تحقيق نشرته مجلة " نيوزويك " في أبريل الماضي حول أبحاث تتعلق بتعقب الاعراق عن طريق الحمض النووي ( D.N.A) تكشفت حقائق مذهلة تبدد أي أوهام حول أعراقنا ، جاء في التحقيق أن " وين جوزيف " أمريكي أسود أجري إختبارات لحمضه النووي وإفترض أنه سيتبين أنه من أصل أفريقي بنسبة 70% وغير أفريقي بنسبة 30% لكن الشركة التي أجرت الفحوص وجدت أنه من أصل أوروبي هندي بنسبة 57% ومنحدر من الامريكيين الاصليين بنسبة 39% ومن شرق آسيا بنسبة 4% ولا أثر لأي أصول أفريقية ... في أمريكا حيث الابحاث الجينية قد وصلت الي مرحلة متطورة جداً وأصبحت الاختبارات المعملية ميسورة إتجه الآف الامريكيين للبحث عن أصولهم وصدموا بمفاجآت كثيرة ، نعرض التماذج التالية من التحقيق المشار إليه " هنري لويس غيتس رئس قسم الدراسات المتعلقة بالامريكيين من أصول افريقيا في جامعة هارفارد " كان دمه يتميز بخصائص أوربية بقدر الخصائص الافريقية ، هنري هذا عاش حياته بوصفه امريكيا أسودا رغم انه نصف اوروبي ونصف افريقي ... حالة أخري هو " دونوفريو رئس قسم الابتكارات والتكنولوجيا في شركة " آي . بي .ام " فخور بجذوره الايطالية لكنه ذهل عندما أظهرت اختبارات الكورموزوم الي أنه عضو في المجموعة الخاصة مما يعني أن أسلافه عاشوا في الشرق الاوسط ... أمريكية اخري هي " ديبرا آن روبر " تم تبنيها عند ولادتها فلم تكن تعرف شيئاً عن والديها الطبيعيين لكن بعض السمات الجسدية كأنفها العريض وبشرتها السمراء جعلت الناس يظنون أنها إيرانية أو حتي كمبودية لكن اختبارات حمضها النووي كشفت أن أسلافها علي الارجح من الامريكيين الاصليين . أما  د. كارل سكوريكي اليهودي . فقد قاده تعقب جينة تخص الحاخامات اليهود الي قبيلة " لمبا" في افريقيا حيث طابق جزءا من حمضها الننوي مؤشرات الحاخامات ... القاسم المشترك في هذه الحالات أن لا أحد في عالمنا اليوم يتمتع بنقاء عرقي ، وأن الحياة بطبيعتها تدفع في اتجاه إختلاط البشر وفق آليات متعددة أهمها الهجرات البشرية ، ونمو المجموعات الانسانية المختلفة ، يشرح ذلك ستراوس بقوله :" القري الجديدة تشكل بناء علي عملية مزدوجة تتراوح بين الانقسام والالتحام ، في البداية تنفصل ذرية عائلية عن سلالتها المنحدرة منها وتستقر علي حدة ثم ينضم إليها فيما بعد كتل من الافراد يرتبطون فيما بينهم بروابط القربي فيشاركونها مكان إقامتها .
أن السمات الجمسانية ترتبط في الغالب باحتياجات التكيف مع البيئة فمثلا يميل لون البشرة الي البياض في المناطق البادة للتعويض عن نقص أشعة الشمس ، فقد تبين "أن السمات الجسمانية كالطول ولون الجلد ، وشكل ونمط الشعر .... الخ ، التي تذكر لتحديد الاختلافات العرقية ترتبط واحدة بعد واحدة بظاهرات تكيفية حتي لو اسباب قيماتها الانتخابية خافية علينا أحياناً " شتراوس الاناسة البنيانية " فوق هذا وذاك أثبتت التطورات الحديثة في علوم الوراثة أن الجينات البشرية متطابقة بنسبة 99% لكل هذا تجد دعوتنا للسياسيين المثقفين بالتخلي عن استخدام مفردات مفهوم العرق ، اللون ، الدم ... لان السير في هذا الطريق ومطاردة السحنات سوف تقودنا بكل تأكيد الي الانكفاء والتفتت علي أساس قبلي وربما الي ما دون ذلك ، والاجدر أن نبحث مسألة الهوية في حيزها الثقافي لاننا بحسب / شتراوس / نعلم ما هي الثقافة لكننا لا نعلم ماهو العرق .
إن إختزال الافريقانية في المكون العرقي يتضمن استخفافا بينا بشعوب القارة ويتماهي مع الصورة النمطية التي تحاول أن ترسمها الدراما الغربية الاوروبية للافريقي بوصفه إنساناً اسود يحمل حربة ويستر جلده بخرقة من الجلد ولا يجيد غير قرع الطبول  ، ويوحي بأن الافارقة لا يملكون ما يميزون به عن بقية الشعوب غير سواد بشرتهم ، لإن إستسهال أمر الهوية هو الذي يقود الي هذا الظلم وربما يعود الامر بدرجة كبيرة الي صعوبة توصف ثقافة ما بأنها هي الثقافة الافريقية ، فالقارة تتضمن مجموعة من الثقافات المختلفة التي تتفاوت في اتساع نفوذها وتأثيرها ، وبعض هذه الثقافات ضارب في القدم ، وأسهم بفعالية في مجري الحضارة الانسانية .
وسودانيا ، العروبة في اندماجها في بلادنا لم تجد ارضاً بلا تاريخ وإنما وجدت أناسا ورثوا واحدة من أقدم الحضارات الانسانية وحينما تم استيعابهم في الثقافة العربية حملوا إليها بعض موروثهم الثقافي ولأن العروبة تتسم بقدر من المرونة والمقدرة علي الإستيعاب فإن ذلك أكسبها – بحسب الاستاذ عبد العزيز حسين الصاوي – قسمات محلية يصح أن تجعلنا نوصفها بأنها عروبة سودانية ، مثل ما يصح أن نقول عنها في المغرب بأنها عروبة مغاربية ، وربما كانت اللغة أكثر الحقول الثقافية  في ملاحظة الاثر المحلي قبل العربي في عربيتنا العامية التي تتميز عن غيرها من اللهجات المحلية العربية في  أنها لم تتاثر كثيرا بلغات مجاورة أو غازية مثل ماهو حادث في تأثير الفارسية والتركية في العراق والشام والخليج ، فلهجتنا المحلية أخذت أكثر من البجاوية والنوبية وفقاً لما أورده الراحل الكبير د. عون الشريف قاسم في قاموس اللهجة العامية في السودان .
يبقي أن اشير الي أن الهوية لا ترتبط دوماً بعوامل موضوعية لا إرادية ... صحيح أن موضوع الهوية ظل لسنوات طويلة يتم بحثه في إطار العوامل الموضوعية ثقافياً لكن علم النفس الاجتماعي في تطوره الكبير في الربع الاخير من القرن الماضي أعاد الانتباه الي العنصر الذاتي في الهوية بإعتبارها في النهاية إختيار يقوم به الافراد والجماعات ، وتمت البرهنة ، علي ذلك في نظريات الهوية الاجتماعية التي صاغة العالمان " تاجفيل " و " تيرنر " والتي يمكن أن نتعرض لها في مقال آخر إن شاء الله .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق