الخميس، 11 يوليو 2013

إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية غياب الروح التضامنية من أهم أسباب تدهور الحركة المسرحية -الهادي الشواف


                   إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية
غياب الروح التضامنية من أهم أسباب تدهور الحركة المسرحية

                                                                                                                                                           
    الهادي الشواف
*نشرت المادة بصحيفة القرار
المتأمل لواقع الحركة المسرحية يلاحظ مجموعة من الارهاصات التي تدل على ان هنالك حراك ينشد عملية أصلاح وتصحيح مسار الحركة المسرحية، فالتوقيع على مزكرة مطلبية من قبل مجموعة من المسرحين تعتبر خطوة للامام، يمكن ان تفضى إلى تأسيس حركة ضغط مستمرة حتى تحقيق أهدافها، وهذه التجربة حتى اذا لم تحقق أهدافها فانها جديرة بالاحترام، وتستحق الوقوف عندها بإعتبارها يمكن ان تكون مدخلاً للاصتفاف ووداعناً للعمل الفردي والذاتي، وتعزيزاً للحراك المسرحي المطلبي في المستقبل، وفي الاتجاه الآخر هنالك محاولات لاصلاح حال البقعة برزت من خلال تقديم مجموعة من المحسوبين أليها باستقالاتهم، ومطالبة من مجموعة أخري بالاصلاح، فضلاً عن مجموعة الكتابات على مستوى الصحف والشبكة العنكبوتية، كل هذا يعتبر خطوات مهمة في الطريق الصحيح ودليل عافية للحراك المسرحي، وهذا الحراك اذا ما وضع في المسار الصحيح وتم استثماره وتوجيهه لخدمة مصالح الحركة المسرحية، يمكن ان يؤسس لمستقبل مختلف، وهذا لا يتأتي الا من خلال العمل المؤسساتي وتعزيز روح العمل الجماعي والتضامني، وتجاوز الصراعات الشخصية والبينية وتصفية الحسابات الذاتية بين الافراد دون الجماعة، اذن يجب ان يتجه هذا الحراك صوب الاهداف العامة التي تعبر عن كل المسرحيين، وأي محاولة لحرف هذا الحراك عن مظانه الاساسية سوف يقود إلى انقسام حاد وسط المسرحيين، وبالتالي يفتح المجال للذين يصتادون في الماء العكر ليعملوا على تثبيط الهمم، من خلال استخدام سياسة فرق تسد، عبر الانفراد ببعض المسرحيين واستخطابهم تجاه اسئلتهم الخاصة، مثل الاتصال بأحد النقاد ودعوته للمشاركة بتقديم ورقة نقدية ليتم اسكاته، أو الاتصال ببعض المخرجيين للمشاركة بعروض بشكل شخصي لذات الغرض، هذه الاساليب ليست لها علاقة بالعمل الاداري والمؤسسي المعروف للجميع، وهي تصيب اخلاقية العمل العام في مقتل، وتهدم البنيان المفاهيمي الذي يعمل المسرح لتشيده منذ القدم.
لذا يا سادتي ان غياب الروح التضامنية والعمل الجماعي المؤساستي من أهم أسباب تدهور الحركة المسرحية، هذا يؤكده غياب الاجسام التي تمثل المسرحيين عن هذا الحراك، وحتى الموقف من لجنة موسم الخرطوم المسرحي اتبنى على مواقف فردية ثم اتسع ليأخذ الشكل الجماعي غير المأطر وفق اطر محددة، ويتضح غياب العمل التضامني والجماعي من خلال غياب عدد مقدر من المسرحين وسلبية البعض الأخر تجاه قضايا المسرحيين، وتلحظ غياب العقل جمعي من موقف المسرحيين وردة فعلهم تجاه توقيف مهرجان المسرح الحر التي لم تتجاوز بعض التعليقات عبر (الفيس بك)، على الرغم من ان مهرجان المسرح الحر يعتبر أضافة حقيقة للحراك المسرحي في السودان.
وما يدور من حراك في الساحة المسرحية هذا الايام يمكن ان يكون مدخل مناسب للمسرحيين للانتقال إلى العمل الجماعي والتضامني الحقيقي، وتجاوز التشرزم والعمل الفردي حتي لا يتم الانفراد بهم كل على حدى "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، ولا يمكن ان نتحدث عن عمل جماعي وتضامني الا من خلال الاصطفاف ليس في الظاهر بل بالتقارب والتوحد في الباطن، من خلال الالتزام تجاه قضايا بعضنا البعض، وهذا الالتزام يشمل التصور والممارسة، والذاتي والموضوعي، والعام والخاص، ان الالتزام الصادق تجاه منهج العمل الجماعي والتضامني يعضض ويقوي الحجة والبرهان، ويوفر عناصر للتماسك الداخلي الملائم للنزال في ميادين الصراع.. ما لا يتوفر لأي محاولات فردية وذاتية معزولة، وهو الكفيل بان يهزم أي منهج من المناهج المناوئة له والخارجة عن إطاره.
في هذا السياق فإن المتابع لحركة التاريخ القديم والحديث يجد أن الاتجاهات والجماعات والحركات الاحتجاجية والمطالبية الملتزمة تجاه منهج وتقاليد العمل الجماعي التضامني، هي المرشحة في الغالب للموقف الصميمي والرأي الأصوب وبالتالي هي الاقرب للوصول إلى مراميها، وفي المقابل فان الركون للعمل الفردي والذاتي يكون عرضى لضغط الواقع، ولا محال أنه سيقع في شراك وحفر وسراديب تنصب له، وتكون العاقبة في النهاية عزلة وبعداً عن الجماعة، يسهل الانفراد به والتحكم فيه وفي مصيره، وفي المحصلة النهائية هذا لا يقود الا إلى تحقيق أهداف فردية معزولة وقصيرة الاجل، لانها لا تملك من عناصر القوى لتمكنها من الاستمرارية والديمومة، هذه العناصرالمتوفرة بالضرورة في حركات الضغط الناتجة عن الاصتفاف الجمعي، هذا الاصطفاف الذي يتم حول مواقف واضحة ومحددة، وملتف حول منهج معين يمتلك من الحجج والبراهين الكفيلة بان تجعل منه الطريق الأمثل والعملي لأي دعوة من دعوات التضامن والعمل الجمعي، وهو الطريق الأسرع لإحداث نوع من التقارب الفكري والمنهجي بين المسرحيين، يقودهم إلى فضاءات ارحب.
إن أعداء الوعي والتنوير المتربصين بكل حراك وثاب نحو التحرر والانعتاق، ومن خلفهم الانتهازيون الجدد وارباب المصالح الذين يدعون حرصهم على المشروع الحضاري وتأصيل الفنون المزعوم، يتربصون الدوائر بكل عمل صادق مخلص، لانهم يتخوفون من ان يجرف هذا التيار مصالحهم ويزلزل مقاعدهم التي لم يصلوا اليها عن جدارة واستحقاق، لذا سيعمل هؤلاء على ضرب أي حراك جماعي عبر مبدأ (فرق تسد)، خاصة وان الثلاثين من يونيو منذ سنواتها الاولى اتبعت ذات المنهج للانفراد والتفرقة والعزل لمن قاوموها وقفوا ضدها، وهي الان لديها ازرع وسط المسرحيين تعمل بذات المنهج، وبالتالي فإن القبول بالبعد عن مقتضيات الالتزام بمنهج العمل الجماعي والتضامني لحساب مصالح ذاتية أو سياسية أو اقتصادية، يعد انفراداً مذموماً ستعود عواقبه على الجميع.
اذن هي دعوة للمسرحين للاصتفاف والتوحد وابراز قيمة العمل التضامني والجماعي، من خلال توظيف الحراك الذي يعم الساحة المسرحية هذا الايام، واعتباره منصة انطلاق لبناء حركة مسرحية حقيقية متماسكة ملتزمة تجاه العمل المؤسساتي، واحياء الاجسام الموجودة عبر عملية ديمقراطية في الاختيار لمن يقود هذه الاجسام، ويكون المدخل الوحيد لهذا الاختيار هو المهنية والكفاءة والتجرد والاستعداد للتضحية، هذا اذا ما اردنا ان نسير قدماً نحو مسار صحيح لاصلاح حال الحركة المسرحية، ومن ثم ينصرف المسرحيين إلى القيام برسالتهم الابداعية والتنويرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق