الخميس، 4 يوليو 2013

المكتبات واستشراف المستقبل موسي إبراهيم






               المكتبات واستشراف المستقبل موسي إبراهيم
 
 منذ ان وضع الانسان قدمه علي ظهر الأرض ، الي ان وضعها علي سطح القمر ، والعقل البشري لا يكف عن التفكير والإبداع ، ولا يعترف بحدود لأماله وطموحاته ، علي طول الطريق الذي قطعته البشرية منذ أقدم العصور الي الوقت الحاضر، كانت هناك العديد من الكشوف والاختراعات ، التي انتقلت بالإنسان من حياته البدائية البسيطة ، الي حياته الحضرية الحديثة في اعقد صورها . ومن بين تلك الاختراعات الهائلة يقف اختراع الكتابة متفردا ، باعتباره أهمها وأعظمها علي الاطلاق ، ذلك اذا اعتبرنا التاريخ هو الفترة التي بدأت مع بداية
تسجيل المعلومات وحفظ السجلات ، فأن المكتبات من هذا المنطلق تكون قديمة قدم التاريخ نفسه ، من البديهي ان نعرف ان تاريخ المكتبة بدأ من بداية الكتابة ، بداية الانسان حيث يقوم بطريقة تلقائية بحفظ ما كتبه في مكان معين حتي لا يضيع منه .
 وعلي مدي التاريخ كله لم توجد المكتبات في امة من الأمم ، الا كنتيجة لوجد أناس يعرفون الكتابة ومواد يكتب عليها ، وتراث فكري يحرض الناس علي اقتنائه وتداوله . ففي بلاد اليونان نجد " بندار ، اخيل ، سوفوكليس ، ويوربيدس ، وهيرودوت " وغيرهما ممن أعطوا للفكر اليوناني قيمته الإنسانية الخالدة ، وكنتيجة لوجود المدارس الفلسفية التي ارتبطت بالثلاث الكبار( سقراط - أفلاطون – أرسطو ) .
        وفي بلاد الرومان لم توجد المكتبات والكتب ، الا عندما بدأت الثقافة اليونانية وكتبها تقتحم أبواب الرومان ، عندما بدأت لفائف البردي تأخذ طريقها إليهم بعد اليونان في القرن الثاني قبل الميلاد ، الأمة العربية لم تختلف كثيرا عن هذه الأمم ، بالرغم من عدم وجود كتب ومكتبات في العصر الجاهلي ، بسبب عدم انتشار الكتابة بين الناس ان ذاك ، لان أدواتها غير ميسورة لهم ، ولم يكن لهم ان ذاك حاجة للكتابة ، لان ذكرتهم الأساسية ومخزونهم التراثي عبروا عنه شعرا ، والشعر بطبيعته لا يستعصى علي الذاكرة ، الا انه عندما جاءت الرسالة المحمدية ، أول ما نزل من القران من آيات كانت تدعو قبل كل شيء علي القراء وتحرض علي العلم ، وبمرور الزمن علي تاريخ الأمة العربية الإسلامية ، كانت هناك مكتبات ضخمة في كثير من البلدان مثل " تونس – العراق – مصر " وغيرها من البلدان .
* مفهم المكتبة :
تطور مفهوم المكتبة تطورا ملموسا عبر العصور ، فبعد ان كانت المكتبة مجرد مكان يحفظ فيه الكتب ، ومن ثم تزود روادها بخدماتها المعلوماتية المحدودة ، أصبحت ألان تشكل العمود الفقري لبنية المجتمع ، وقد ساعدها في أداء رسالتها التقدم المطرد والمتنامي في مجال تكنولوجية المعلومات والاتصال ، والتي دفعت في الفترة الأخيرة بمفهوم المكتبة العامة ، الي مستوي يمكن ان نقول أنها صارت جامعة شعبية ، ينهل منها المجتمع بجميع فئاته ، من مقتنياتها لري ظمأ المتعطشين منهم للمعرفة دون النظر الي الجنس المهني والعلمي والثقافي ، وتحتوي المكتبات علي ثروة هائلة من المعلومات ، وتعدد وظائفها في القرنين الأخيرين ( العشرين وبداية الحادي والعشرين ) بحيث أصبحت مركز للمعلومات داخل المجتمع ، مما جعلها من أهم المؤسسات الثقافية والتعليمية ، وبذلك تكون المكتبات حققت مفهوم التعليم الذاتي علي أوسع نطاق .
غرفة وجانب من معارض الجماعة بود المنسي
* أنواع المكتبات :
المكتبة الأسرية وهي أول أنواع المكتبات التي يتعامل معها الانسان منذ الطفولة الباكرة ومرورا بكل مراحل نشأة البيولوجية والذهنية العقلية والفكرية والثقافية .
المكتبة المدرسية وهي ثاني أنواع المكتبات التي يتعامل معها الطلاب وتزودهم بما يحتاجون من معلومات في كافة مجالات المعرفة.
المكتبة الجامعية وهي توجد في الجامعات والكليات والأقسام المختلفة حتى تساعد الطلاب علي انجاز أبحاثهم وتوفر الخدمات لجميع العاملين بالجامعة .
   المكتبة العامة هي التي تخدم الجمهور العام بمختلف فئاته ( أطفال – طلاب – أساتذة – باحثين - عاملون ) وغيرهم .
المكتبة المتخصصة وهي التي تخدم المتخصصين في مجال أو موضوع محدد ( هندسة – طب – زراعة – تربية – دراما – كمبيوتر – علوم  رياضيات ) وغيرها من المجالات العلمية .
المكتبة الالكترونية وهذا ظهرت أخيرا بعد التطور التكنولوجي الذي حدث في السنوات الأخيرة ، نتيجة لتراكم خبرات الانسان التي سهلت مهمة الوصول الي المعرفة في أسرع وقت ممكن ، تصديقا لمقولة ( العلم الذي أصبح كالغرفة الصغيرة ) ، عبر ما يعرف بثورة المعلومات .
* المكتبات واستشراف المستقبل :
امام حركة التوسع الكبير لمفهوم المكتبة في العالم ، وامام تحديات المعاصرة ، تقف مكتباتنا ألان شبه معزولة عن ماضيها وعدم مواكبتها عصرها الراهن ، فقد تقطعت عنها السبل بينها وبين أمجاد الماضي ، وبعدت المسافة بينها وما وصلت اليه المكتبات في العصر الحديث ، بفضل ما انتجد من منجزات في كافة مجالات العلم ووسائله ، حيث أصبحت المكتبة في مجتمعاتنا في أشبه ما تكون بحالة انعدام الوزن ، ولا يخفي علي احد ان المكتبة ظاهرة حضارية ، تزدهر كلما ارتقت الأمة وأخزت أسباب التقدم و النما ، وتتجمد وتنكمش عندما تتخلف الأمة وتتدهور أوضاعها الثقافية والحضارية ، فالفارق بين مكانة المكتبة عندنا اليوم وبين مكانة المكتبة عند الآخرين هو فارق حضاري في جوهره .           
  وينبقي ان لا يغيب عنا ان الغربة التي تحس بها مكتباتنا مصدرها انه لا يتعامل معها الا قدر ضئيلا من افراد المجتمع ، يتمثل في الذين نالوا حظا من التعليم وأصبحوا قادرين علي مواصلة القراءة ، اما بقية افراد المجتمع الذين لم تتوفر لهم فرص التعليم ، او خريجي المدارس الابتدائية الذين قصرت بهم الطرق عن مواصلة تعليمهم فارتدوا اميين او اقرب ما يكونوا الي الأمية فليسوا من جمهور المكتبات .
واذا تركنا الاميين لحالهم وانتقلنا الي الفئة المثقفة أو علي الأقل الفئة القادرة علي ممارسة القراءة وجدنا غالبية هذه الفئة منشغلة طوال اليوم بإعمالها بحثا عن مصدر قوتها بسبب غلاة المعيشة ، وشبه المجاعة في مجتمعاتنا ، وما تبقي من وقت الراحة تنازعه مغريات ثلاثة وهي الصحف والمجلات التي لا تترك لهم فرصة للقراءة المثمرة ، وثانيها الراديو الذي لا يتوقف عن البث طوال اليوم ولا يكلف مشقة القراءة ، اما ثالث الأثافي فهو التلفزيون وهو اشد خطرا علي القراءة لانه لا يكتفي بتوصيل المادة بالكلمة ، وإنما يدعمها بالصورة ويشد المشاهد شد اليه لأطول فترة ممكنة ، وهذه الوسائل هي جزء من وسائل التعليم والتثقيف لكنها لا تفي بحاجات الفرد وانما تعمل علي سد الفجوة ، وليس هذه الوسائل وحدها هي التي تصرف الناس عن القراءة وارتياد المكتبات ، وانما يشاركها في المسؤولية أنظمة التعليم والامتحانات ، فالتعليم في مدارس الأساس والثانوي يعتمد علي الكتاب فقط ، بعد ما يتم تفريقه في ملخصات مختصرة ، يحفظونها علي ظهر قلب ثم يفرغونها علي أوراق الامتحانات ، فينجحون دون يقرءوا حتى الكتب المدرسية ، وفي الجامعات او علي الأقل في كثير من الكليات فحدث ولا حرج  فالطالب يستطيع ان يقضي أربعة سنوات او يزيد ويحصل علي الدرجة الجامعية دون ان تطأ قدمه ارض المكتبة الا للضرورة القسوة ، هذا فضلا عن غياب المحفزات للقراءة من المنزل ومرورا بمراحل التعليم المختلفة خاصة بعد ما تم تغيب حصة المكتبة من الجدول .
لاشك ان المرحلة الجامعية هي من أهم المرحل في حياة الانسان وهي مرحلة التفتح الذهني ، اذا ما ضاعت منه دون ان يوسع مداركه بالقراءة المتنوعة والمتعمقة ، فأنه بعد التخرج يعجز عن مواصلة التعلم بشكل ذاتي .
ان استشراف المستقبل امام المتغيرات المتسارعة والمستجدات الطارئة ، التي يشهدها العالم في العقود الأخيرة ، تثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام عما سيكون عليه مستقبل المجتمع الإنساني ، بل عن مصير الانسان نفسه ، إزاء ارتياد العلم والمعرفة الحديثين افاق جديدة في مجالات البحث كانت محرمة عليه الاقتراب منها ، فلا سبيل الا مراجعة علاقاتنا مع وسائل تلقي المعرفة وفي مقدمتها المكتبات ، والأخذ بأسباب التقدم وما وصل اليه العلم الحديث لخدمة البحث العلمي والباحثين ، لكي نردم الهوة بيننا وبين الأمم الأخرى ، اذا أردنا ان نلتحق ببقية الأمم ، وكثير من الناس تبهرهم مكتشفات العلم الحديث ، وليس ذلك عيبا ولكن العيب ان ننسي أنفسنا في غمرة الحماس الي كل ما هو جديد ، دون ان ننتبه الي دراسة الكيفية التي توصل بها العلم الحديث الي هذه المكتشفات ، والبحث في ماضينا لنأخذ منه ما يفيدنا لحاضرنا لنستشرف المستقبل ، وذلك لان الأمة التي تنسي ماضيها كالإنسان الذي يفقد ذاكرته فيفقد معها الماضي والحاضر والمستقبل 
*ملحوظةتمثل هذة المادة ملخص لورقة الاستاذ الناقد موسى ابراهيم وقد اعدت ونشرت في مجلة الطليعة الطلابيةالعدد الخامس 2010  تجدر الاشارة الي ان الورقة في مشروعايام  المسرح واسئلة المستقبل بود المنسي بولاية الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق