=========== لم يكن وقتا للتنزه ولكن عنفوان السابعة عشر من عمري هو مايقودني في مثل
هذا الوقت للجلوس علي شاطئ النيل الأزرق وتحديدا علي نتوءات الصخر التي
كانت سببا في وفاة الكثيرين لمن هم في عمري , كما أنها نفس المكان الذي
يستهوي أكثرنا لعمل شواء البلطي ... كانت الشمس تتوسط سماء المدينة
وترسم صورتها وسط النهر علي شكل دائرة غير مستقرة وتتفتت كلما مر قارب صياد
علي موقعها , (الطرور) يطفو ويغطس دون سبب معلنا عن مواقع شباك الصيد ..
وضعت كتبي علي حجر وثبتها بآخر لأمارس هوايتي كلما تمردت عن المدرسة
الثانوية والتي يحشوننا بها بأشياء لا أظنها ستفيدنا عندما نلج ميادين
العمل .., أو هكذا كنت أظن ... جلست
علي صخرة أخري بعد أن نزعت حذائي ثم بدأت أتلاعب بالماء ونظري مثبت علي
الموج الذي أحدثه .. تحسبا .. لا أعرف كم مضي من الوقت ولكن ما أدركه جيدا
أنه لا يتواجد سواي , إلا هذا الذي ربت علي كتفي .. قبل أن ألتفت إليه نظرت
طويلا لسطح النهر علي أتبينه من بين تكسرات الموج ... هالني مارأيت فقفزت
عاليا وصرخت : مصطفي سعيد ؟.. رد بهدوء : نعم أنا بعينه . ..
فرحت بهذا اللقاء ...علي مضض شد علي يدي ومضي ............وخلفه أسرعت
الخطي وفي رأسي الكثير .. تبعته حتي جهة النهر حيث خزان الروصيرص .. تأملته
عن كثب .. بعض شيبات يزين أطراف رأسه , هندامه رغم الجمال تبدو غير مرتبة
.. البدلة السوداء منتوفة الصوف .. وحذاؤه لم يعد لامعا ... لم يكن مرتبا
في كل شئ عدا نظرته العميقة لجوف النهر وكأنه يغوص بهما .. أمطرته العديد
من الأسئلة ولكنه لم يأبه .. سألته عن بلاد وبنات " الفرنجة"... وأخبرته أننا لم نتحرر بعد .. سألته كما تحدثني سني عن الشقراوات ... وهل الأنف المعقوف يعيق القبل ؟؟ هل يمكن أن نتحرر .. صمت ...
تغوص نظراته في جوف النهر ولا تعود في بحث هستيري ....وعينين غارقتين في
العمق .. تائه في ماض عميق يباعد بيني وبينه .... حتي بدت عينيه كرسم باهت
بقلم الرصاص ...... هل تبحث عن "بت المجذوب" ؟؟ ... كالقذيفة داهمته بسؤالي ..
تراخت مقلتيه القابعتين في قاع النهر بشكل بطيء ..وتدريجيا التهبت العينان
كصقر يقتنص .. أمسك كتفي وهزني بقوة , صائحا بصوت كموج النهر :- "أيوة" .. ثم رددها بصوت مشحون بكافة ألوان الرغبة واللهفة والشبق .. وبدا لي كمراهق في السابعة عشر من عمره .. فقلت "في نفسي" كيف يبحث عن هذه الشمطاء ؟.. وهو بطل المعارك البيضاء .. أجابني بعينيه وكأنه سمع صوتي :
ليت الطيب صالح تركني هنا أجدول ضفايرها وأتلمس شهدا من تلك الشفاه
"المدقوقة" وأمرر أصابعي علي جداول "شلوخها " الملساء العميقة وأعبق أنفاسي
بطلح الإشتهاء ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق