الأحد، 21 يوليو 2013

فلسفة إيام المسرح وقضايا التنمية يوسف ارسطو







فلسفة إيام المسرح وقضايا التنمية
قراءة في مقاصد الفعالية

  • جماعة مسرح السودان الواحد-نادي التراث والثقافة الوطنية
    كتيب (73)
                                                  كتب يوسف ارسطو      

تمهيد:
تهدف هذه الدراسة الي تبيان مقاصد ومرامي (جماعة مسرح السودان الواحد ونادي التراث والثقافة الوطنية )البعيدة من هذه التجربة.. ويمكن بل يجب ان تندرج في اطار القراءة الذاتية في ظل غياب الشروط المنهجية وعدم تحديد المعاني والمفاهيم تحديدا ضابطا ومحددا، لما يقرأ غير انها فلسفة والفلسفة وجهة نظر، لذلك فأن اخفقت فهذا يرجع لعدم قدرتي أو لاستسهالي  امر الورقة وعدم اعطاءها الوقت والجهد الكافين، وهذا قصور مني، والنادي والجماعة ثانيا لانهما علي اقل تقدير منحاني الثقة وفرصة عمل هذه الدراسة، لكن ما اود ان اشير اليه في هذا التمهيد هو ان الفلسفة تفهم عند البعض انها فكرا نظريا مجردا بعيدا عن المادي والملموس، كما تصنف الفنون والمسرح من الاعمال غير الجادة تستهدف البهجة والترويح والتسلية في وقت الفاقة، وليس هنالك ثمت علاقة بينها وبين التنمية، التي ينظر اليها عند بعضهم بما يتجسد بالمنجزات والتطورات التكنولوجية والعمران، من مد الطرق وبناء الجسور وشد أسلاك الكهرباء والنمو الاقتصادي وارتفاع الدخل القومي ودخل الفرد.
ومن أغراض هذه الدراسة أيضا الربط والإستنتاج مابين الاعمال الابداعية والفكرية المجردة المتمثلة في الدراسات ومايقدم علي المسرح مايحتمل ان يترسخ منها ومن المعارض ونواتج الالعاب والمناشط الرياضية في بناء الغد، والتنمية موضوع الدراسة باعتبار مايكون نموزجها (ايام المسرح وقضايا التنمية)، ولان الدراسة تنبئوية لما سيكون أو حلم مشروع، يبقي من الافضل ان تقرأ في هذا السياق، وهذا لايمنع من قراءات أخري، لان الفلسفة وجهات نظر وان شئت ايدلوجيا وان ادعت العلمية، فقد ذكر الدكتور محمود أمين العالم في كتابه الموسوم "الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر": (علي انه ليست هنالك فلسفة واحدة بل فلسفات تعبر كل مرحلة من مراحل التاريخ عما تحتدم به المرحلة أو تلك من أوضاع وصراعات أجتماعية)1، والجدير بالذكر ان الورقة لاتتحدث عن التنمية أو فلسفتها ولا حتي عن الفلسفة وانما عن فلسفة ايام المسرح وقضايا التنمية.

التنمية تنميات:
كثير ما سمعنا عن التنمية الزراعية أو تنمية الثروة الحيوانية أو تنمية مشروع كذا أو قطاع كذا أو التنمية الاجتماعية، ولكن قليلا ما نسمع أو نكتب عن التنمية البشرية، فقد يقول قائل محاول خلخلة فكرتنا أن التنمية تنميات، لأن الحديث عن التنمية بمعناها الواسع هو حديث عن تنميات عديدة وليس واحدة، وربما حاول إرباكنا أكثر وأشد ان بعضهم كما ذكرنا في التمهيد ينظر اليها بما يتجسد بالمنجزات المادية والتتطورات التكنولوجية، وعند هولاء تفهم التنمية بما يتحقق في مجال العمران من مد الطرق وبناء الجسور وشد أسلاك الكهرباء والنمو الإقتصادي وإرتفاع الدخل القومي ودخل الفرد أو ما يعرف بالبنيه التحتيه، في حين (لا يختصر بعضهم التنميه والتطور والتقدم علي الجانب المادي، وعند هؤلاء لاتقاس التنميه بالازدهار الاقتصادي وارتفاع الدخل القومي ودخل الفرد ..)2 لذا نجد عند هؤلاء ان بعض الدول الغنيه والتي تمتاز بإرتفاع دخل الفرد تصنف من دول العالم الثالث، ليس الأول أو حتي الثاني وتجميلا لها تسمي الناميه ويقصدون المتخلفه، لهذا يري أصحاب هذه الرؤيه (أن مفهوم التنميه يتسع لمضامين متنوعه، مثل النضج والوعي السياسيين المتمثلان في إقامة نظام سياسي وتأسيس سلطه تعبر عن إرادة المواطنين وترعي حقوقهم وتؤمن مصالحهم،) 3 لذا التنميه والتطور عند هؤلاء (يشمل إرتفاع مستوى العلم والمعرفه الإنسانيين، وتوسيع دائرتهما لما فيهما من تحقيق ذاتية الإنسان وتفجير طاقاته الكامنه، لأن من ذلك ينتج إزدياد فرص الإبداع، والتي يتجلي فيه الإبداع من ميادين الأدب والفن والفكر والمعمار، ووسائل الترفيه وكافة أوجه المناشط الإنسانيه،) 4 لإنعكاس هذا علي الفرد والمجتمع ككل (وإتاحته لمزيد من فرص التقدم والتطور، وبالتالي المزيد من التحول في حياة الإنسان بل في الإنسان نفسه،)5 ويمكن النظر لهذا النوع من التنميه على أنه (غايه في حد ذاته، وهو في الوقت نفسه وسيله لمزيد من التقدم والتطور ....)6وعند هؤلاء النظر لعملية التنميه يماثل النظر لعملية التحديث والحداثه، وتتم بإعتبارها نواتج للوعي وعندهم التركيز على تنمية الفرد لإحداث عملية التنميه، ومن هناء ينصب الإهتمام عندهم في التركيز علي البنيه الفوقيه، إي ما يعرف (بالثقافه والفكر في أوسع معانيهما، واللتين تتسعاء لتسليح الفرد وتجعله صانع مجده  ومجدد بيئته ومايحيط به )7....ولاأعتقد أن الجماعه والنادي يختلفان عن هذا، لكن للربط بين هذا الفهم للتنميه وفلسفة الجماعه والنادي لابد من الوقوف هنيه في ماهية الفلسفه والتي كما أسلفنا في التمهيد هي فلسفات وليست فلسفه واحده، واضعين في الإعتبار عدم تركيزنا علي الفلسفه كفلسفه أو حتي علي التنميه كتنميه أو فلسفة التنميه وإنما علي فلسفة إيام المسرح وقضايا التنميه، وهذا لايمنع من التطرق بشئ ما للفلسفه ومفاهيمها بهدف الإستفاده منها في إثراء الدراسه وإضافة شئ ما لنا وللذين لم تتوفر لهم ظروف ثبر غور هذا العلم، لأن الفلسفه (محورها الإنسان ومنزلته في هذا الكون وكيف يعيش في هذه الدنيا حياة راضيه)،8 وهذا المعني نفسه هو موضوع التنميه بل إيضا إيام المسرح وقضايا التنميه.
الفلسفه فلسفات:
جاء في كتاب الشعب – دائره معارف الشعب سلسة المعارف العامه للشعب المصري ( الفلسفه اصطلاح دخيل علي اللسان العربي انتقل اليهم في عصر الترجمه، ولم يجدوا مايقابله في لغتهم فعربوه فاصبح من جملة اللغه العربيه)9 وقال الفارابي( اسم فلسفه وهو دخيل في العربيه وهو علي مذهب لسانهم ( فيلو وسوفيا)، بمعني الايثار والحكمه،)10 اي محبة الحكمه، (فهي ضربا جديدا من البحث والمعرفه تختلف عن الدين من جه وعن العلم من جه اخرى، فالدين ايمان بنوع من الموجودات اسمى من الموجودات القائمه فى هذا العالم، وقد سميت الموجودات المتعاليه عند القدماء، وقبيل نزول السرديات الكبرى فيما يعرف باديان التوحيدية آلهه وهى تمتاز بالخلود وهي اصل كل شيئ فالدين في اساسه اعتقاد وايمان، والفلسفه بحث واسئله وشك ونظر في كل المسلمات، ففي حين تبحث الفلسفه في الكليات أو الكلي أو الكون باثره، يبحث العلم في الجزيئات، وفي بحثها تستهدف المبادئ والاصول والغايات آنيتها وماهيتها وعللها وغاياتها، وكما هو الحال بالنسبه للتنميه، فالفلسفه فلسفات فمن حيث اعلامها تنسب الفلسفه الي رموزها كما في قولنا فلسفة ابن رشد وابن سينا أو الكندي (الذي وفق بين الدين والفلسفه،)11 أو الارسطيه التى تنسب الى ارسطو طاليس اما من حيث اغراضها ونزوعها الي دعاويها الكليه تصنف الي الفلسفه الدينيه أو الحديثه أو الوجوديه التي تركز على وجود الانسان في هذا العالم.
والفلسفة العمليه التى يسميها بعض الناس بالنفعيه وهى الفلسفه التي يتبناها بعض الذي لايقفون على مبدأ معين غير مكاسبهم، وحتى تلك الفلسفات المسماه ليست واحده وجامده، فالمثاليه مثاليات والفلسفه الدينيه فلسفات اديان متصارعه، فكريا لاتصل احداهما الي مسلمة أو قرار أو نتيجة الا وشبت الاخريات ناقدة ومفندة ما توصلت له تلك، وكما تتبني الفلسفه النقديه ليس من مبدا أو مسلمة أو نتيجة أو مذهب فلسفي غير قابل للدحض، غير ان الفلسفة منذ بداياتها الاولي أي فلسفة كانت عملت للوصول الي الكون والطبيعة البشرية وماوراهما، وفي اى الاتجاهات يجب ان يسير امر الناس وفي هذا كانت مبادئ بعض سدنتها لخدمة سلطان أو سلطة ما، فيما كان كثيرا من الفلاسفه قد اتجه ونزع نزوعا انسانيا، غير آبه لما تقوده اليه افكاره فقد تخلت الفلسفه في الخوض في الجزيئات والتفاصيل للعلم (كما صنفت الدين بانه العلم الذي يزعم خلاص الانسان،)12 لهذا الفلسفه هى ام العلوم رغم ان بدايتها كانت تبحث في مايعني بالوجود والمعرفه والقيم فمبحث الوجود انقسم الي علم الطبيعه (الفيزياء) وماوراء الطبيعه، والغيب ماقبل الدنيا ومآلات الكون والانسان بعد الموت والفناء، اما مبحث القيم انقسم الي علم الاخلاق والاستاطيقا، فمبحث الاخلاق مثلا يتطرق الي موضوعات الحلال والحرام والمرفوض والواجب والضروري اجتماعيا، في حين تطرق علم الجمال الي المتسق والمتناسق والجميل.
ومن ناحيه أخرى ربما لان الفلسفة تبحث في الكليات، يعتبرها الكثير غير المتمعنين فيها بأنها تدعو الي الإلحاد، أو علي أحسن تقدير غير متهيبة من التصدى لاسئلة الايمان وخلخلتها، ويرجع هذا لإعتمادها على الفكر المجرد والكليات دون الدخول فى التفاصيل، لهذا يعتبرها بعض الناس انها متعالية ومنعزلة عن هموم الناس، اما الأنتجلينسيا فيعرفونها: (بانها اشد انواع الفكر تجريدا، غير انها تعبر بالفكر لنقد الواقع الاجتماعي وما يحتدم من صراعات)13 وللتدليل على علاقة الفلسفة بالواقع وبالتحديد فيما يتعلق بموضوع هذه الدراسة، كتب هربرت ماركيوز أحد اعلام مدرسة فرانكفورت في كتابه فلسفة النفي: (في فهم الأقدميين ان المناطق الدنيا من النفس تدفع الإنسان الى تشهي الربح والممتلكات والشراء والبيع واقصى انواع الاعجاب والتقدير علي الثروة وممتلكيها)،14 وفي نقده للفلسفة الانطلوجية المثالية كتب: (ان عالم ماهو حق وخير وجميل هو في الواقع عالم "مثالي" طالما انه يقع في ما وراء الظروف القائمة للحياة فيما وراء شكل الوجود الذي فيه الغالبيه ام ان تعمل كعبيد أو تنفق حياتها في التجارة مع وجود مجموعه صغيرة فحسب لديها فرصة الاهتمام باي شيئ فيما عدا الحفاظ بما هو ضروري).15 وكتب ارسطو قبل ألفان وخمسمئه سنة من الآن في فلسفة الاخلاق ناقدا بعض الممارسات اللانسانية والتى يمكن إيجاد ما يماثلها في حاضرنا: (الهوى للثروة الذي لايترك للإنسان لحظة فراغ للحصول على اي وراء ثرواته الشخصيه، فطالما النفس الكليه للمواطنين معلقه علي الثروة فانه لايستطيع ان يفكر في اي شيئ سوى المطالب اليومية)،16 فاذا تمعنا خلاصة هذه المقولة يمكن الى أي منا ان يصل الى نفس النتيجة، ووهو يتأمل ما فعله الذين يدعون انقاذنا ويتحكمون في ارادتنا رغم انفنا وللتأكد من هذا يمكن تكملة ما قاله ارسطو: (علي حين ان غالبية المواطنين مشغولين من اجل حيواتهم الكلية في العمل المحزن للحصول علي ضرورات الحياة فأن التمتع بالحق والخير والجميل محفوظ من اجل صفة صغيرة)، 16فقد طلبت من احدى زميلاتي ان تقارن فيما قاله ارسطو مقارنة بما هو حاضرنا الآن فقالت: (لو لم يكن ارسطو هذا عاش قبل الفين وخمسمائة سنه لاعتبرته احد معارضي النظام لانه يرفض ويفضح فكرة ان يسيطر صفو من الناس على الامتيازات)، فهل فعل هؤلاء غير ذلك فمن يحتكر السلطة والثروة ويزعم انه وحده يمتلك ناصية الحقيقه وخلاص الوطن.
اما الفلسفة الحديثة التى بدأت مع الماركسية، فقد استنكرت الادوار الكلاسيكية للفلسفة، فقد كانت الفلسفة الكلاسيكية تحصر ادوارها في التفسير والفهم للعالم، وقد قالت الفلسفة الماركسية: (ليس علينا فهم العالم وانما تغييرة)، ومن هنا اصبح هدف الفلسفه تغيير واقع الإنسان لما يجعله جديرا ان يعاش، اما فهم ذلك يتطلب منا الالمام بفلسفة الفلسفات، ولأن ورقتنا هذه غير معنية بفلسفة الفلسفة أو حتي الفلسفة، فالاحري بنا ان نذهب الي فلسفة ايام المسرح وقضايا التنمية موضوع الورقة ولكن قبيل ذلك دعونا ان نتعرف على ايام المسرح وقضايا التنمية.
تعريف ايام المسرح وقضايا التنميه:
في حديثه عن مشروع الجماعة عرف المهندس نزار محجوب الجاك بأنه نور في ظلام دامس، ويمكن تعريف ايام المسرح وقضايا التنمية تعريفاً اجرائياً بأنه مشروع أو فعل ثقافي فكري هدفه استزراع قيم كونيه متجاوزه أو فوق طروحات الطوائف والمذاهب والاديان، تنشد المساهمه في بناء دولة حديثة، وتشتمل على عروض مسرحية ودراسات علمية ومعارض والعاب ومناشط رياضية، وهو امتداد لمشروعات سابقة شبيهة، اشبه ما تكون بالرحلات العلمية، في الزمن الجميل قبيل (هردبيس) التعليم العالي، وتقام فى الغالب بالمجهود الاهلى البسيط، وهى لاتدعم من قبل الجهات المعنية بأمر الثقافة، لاختلافهما فى المنطلقات والغايات، فقد ذهبنا الى أحد سدنة السلطة ولم نطلب منه مال لترحيلنا أو للإعاشة أو حتى مستلزمات العروض من ازياء وموسيقى وديكور ...الخ، بل طلبنا منه مدنا ببعض الكتب من المؤسسة التي يشرف عليها، لعرضها ويمكن اعادتها بعد المشروع، فرفض مد المشروع بهذه الكتب معللاً ذلك بعدم اهتمام الناس في هذا الزمن الصعب بالقراءة أو حتى تزوق الاعمال المسرحية، ووجهنا سيادته بأن نعد مجموعة من النكات وحينها ليس لديه مانع فى ان يدعمنا عينياً ومادياً، - فاذا كان ذلك كذلك يبقى السؤال الجوهرى من هو المسؤل من وصولنا الى هذه المرحلة -، وكما ذهبنا منه غير نادمين، دعونا ننتقل من تعريف ايام المسرح وقضايا التنمية الى فلسفة ايام المسرح وقضايا التنمية، عنوان هذه الورقة الرئيسى.

فلسفة ايام المسرح وقضايا التنمية:
يمكن القول ضمناً ان لكل فلسفة فلسفة ما، وهذا ليس من باب التفلسف فكما لكل انسان فلسفته ويمكن تبسيطها رؤية او فهم أو وجهة نظر ما للحياة، حتى لو كان لا يعيها، كذلك للتنمية فلسفتها ...فكما ذكرنا ان هنالك تنمية فلسفتها العمران ونمو المشروعات وارتفاع الدخل القومى ودخل الفرد، هنالك تنمية هدفها تنمية ذات الانسان، وعلى هذا المنوال لكل مشروع ما فلسفة يستهدفها، وهذا القول ليس من باب تيسير الفهم، وانما من قبيل تحديد وتاكيد ان لايام المسرح وقضيا التنمية كمشروع فلسفة، وحتى ان لم تعيننا قدراتنا على سبر غورها وكنهها أو التعبير عنها، ويفهم من كلامنا هذا ان ما ندونه فى هذه الدراسة قد لايكون كافياً وان مسالة البحث لم تحسم فيه بعد، لان هذا يحتاج الى قراءات شتى، والتنبؤ على ضوءها، فى رئنا قراءتها جملة كفعل ثقافى، ونرى ان المادة والمنهج تشكو كثير من مواطن النقص والخلل، وهى تستحق نقداً شاملاً يوجه اليها، سوء كان فى تنباتها أو منهجها الذى يعتمد فى الكثير منه على العصف الذهني، ومنه بالتحديد يجب ان يستنتج المتطلعين على الدراسة، وجود إشكالية فى المرجعية، ولكننا رغم ذلك لا نجد بد من تكملة الورقة وقراءة الفعل أو التجربة كفعل ثقافي، ولنبدأ بما كتبه صفوان قديسى فى كتابه تشريح الثورة المضادة ..التى ابتداها بدحض فكرة وجود فعل أو ثقافة محايدة بالمرة وكتب: (ان لكل ثقافة أو فعل ثقافى ان يوضع فى خدمة غرض محدد وهو فى الغالب العام غرض سياسى بالمعنى الواسع للكلمة وان استبطن داخل الثقافة)،17 واسترسل فى مواضع أخرى من المرجع نفسه: (وحين ننظر إلى الثقافة كفعل سياسي فأن خطورتها تغدوا من ذلك النوع الذى لايمكن التقليل من شانه)،18 وذلك على حسب اعتقاده يرجع الى ان الثقافة أو الفعل الثقافى يعيد: (فعالية كمياء العقل وهو امر يجىء عادة ببط شديد ويحتاج فى الغالب الى زمن طويل)،19 ولهذا يرى ان نتيجة الثقافة أو الفعل الثقافى لا تبدو واضحة الا بعد مرور عقود من الزمان، وذكر فى موضع آخر من كتابه سالف الذكر ما يفيد ويدعم المعنى نفسه حيث قال: (الثقافة تؤسس وهذا التاسيس ليس مما يمكن ان يتحقق فى طرفة عين)،20 وعلى حد قوله: (هذا هو الفارق الاساسي ما بين الثقافة والإعلام، ذلك لان الإعلام يسهم فى تكوين الرأي العام بل الإعلام يستطيع ان يجرى تحولات كبيرة فى فترة زمنية قصيرة نسبياً ... لكن الثقافة تحتاج الى وقت اطول، وان التحولات الكبرى التى تنجم عن الفعل الثقافى لا تبدو واضحة للعيان الا بعد مضي وقت طويل لكنها غالباً ما تكون تحولات من ذلك النوع الذي يغدو راسخاً رسوخاً شديداً بحيث لا يمكن زعزعته أو التأثير فيه)،21 ومن هذا وحتى لو اكتفينا بهذا لابد من التفكير مرة أخرى فى فلسفة أيام المسرح وقضايا التنمية على انها عمل أو مشروع صغير من ضمن مشروعات كثيرة ومتنوعة للنادى والجماعة، لإجتثاس الجهل ولاقتيال الخوف لتحرير العقل من الجمود ودعوة لا تختصر على القول بل على الفعل، لتجديد الفكر والارتقاء والتطور، ومن وهذا عمل للظفر بالمستقبل ومن أجل حياة أفضل وأجمل، وهذا يتضمن نقد للراهن ورفضا له وسعى لتجاوزه، والايمان بان الراهن واهن وقابل للتغيير، ودعوه لعالم تتحقق فيه انسانية الانسان عالم يقدر الانسان كانسان، ويثق فيه وفي قدراته الخلاقه، عالم يرفض القهر والزل والهوان، ويؤمن بالتعددية وأفكار الحداثة، وهذا المشروع وبهذا المعنى لا يمكن ان ينظر اليه الا كمتداد لتيار الوعى ورواده فى الوطن العربي، (من لدن ابن سينا والفارابي والكندى وابن رشد ومروراً برفاعة رافع الطهطاوي والكواكبي صاحب طبايع الاستبداد ومصطفي امين رائد تحرير المرأة وعلى عبد الرازق مؤلف كتاب الاسلام واصول الحكم ...الخ، وفى عصرنا الحاضر نتوقف عند سلامة موسي ومشيل يوسف عفلق ونصر حامد ابو زيد وفرج فودة ومحمد عابد الجابرى ...الخ)، ذلك التيار الذي اتى ردا على التيار التقليدى السائد آن ذاك ولازالت جيوبه تسيطر علي مقاليد الامور وتغييب وعي الناس في معظم وطننا العربي، ذلك التيار الذي كان يربط الدين بالخرافات، أو يبالغ فى تأويل النصوص فيجعلها تسيطر على كل مناحى الحياة، ذلك الاتجاه الذى يتمسك بحرفية النص ويغلق باب الاجتهاد، ويجعل السلطة المطلقة فى يد رجل يدعى الدين او يتسلط باسم الدين ويمجد الطغيان، فالسؤال قديم والهاجس كذلك (لان الفكرة واليوتوبيا قديمان والوطن بكامل شموخه والمواطن بعظمة تراثه الفكري والعلمي وبكل عطائه الروحي والمادي وبكل حسه الانساني )22هو الذي يمثل معني الوجود ومقصده.
المراجع:-
1- محمود امين العالم (دكتور) الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر.
2- معن زياد (دكتور) معالم علي الطريق – تحديث الفكر العربي سلسلة عالم المعرفه -1987م .
3- نفسه .
4- نفسه.
5- نفسه .
6- نفسه
7- نفسه
8- مجهول المصدر
9- كتاب الشعب – دار معارف الشعب المجلدات 2-3-5- دار مطابع الشعب المصريه 1960 م
10- نفسه
11- نفسه
12- نفسه
13- مصدر مجهول
14- هربرت ماركوز – فلسفة النفي ترجمه مجاهد عبد المؤمن مجاهد – الطبعه الاولي 1971م .منشورات دار الاداب بيروت
15- نفسه
16- نفسه
17- نفسه
18- صفوان قديسي – تشريح الثوره المضاه
19- نفسه
20- نفسه
21- نفسه
22- نفسه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق