السبت، 8 يونيو 2013

ما بين المخرج يوسف احمد والناقد راشد مصطفى كتب فضل الله احمدعبد الله



                                                                                                                                            

نقد نقد   . . .الصحافة الملف الثقافي، ابريل 2005

                            ما بين المخرج يوسف عبد الباقي والناقد راشد مصطفي
  


                   بقلم الأستاذ الناقد فضل الله احمد عبد الله
 توطئة:
                    " في جميع المسارح من  أوضعها إلي ارفعها وأفخمها في قاعدتها ومصوراتها يجب أن تكتب كلمة " فن " وإلا كتبت كلمة " تجارة " أو كلمة أخري لا أجرو علي ذكرها "
الاستاذ الناقد فضل الله
لفريدريكو غارسيا لوركا  
تري كم هي المسافة بيننا وبين المسرح / الفن وكم تبدو المسافة بين المسرح وبين النقد ، النقد كقراءة فعالة حرة خلاقة ، تصغي الي صوت العرض المسرحي وتتواصل مع علاماته .. وتعمل علي الكشف عن شروط المسرح الجذرية وقيمه الأساسية .
بهذا المعني وجدت قراءات الناقد راشد مصطفي بخيت في قراءته النقدية لعرض مسرحية " صور للتعايش والسلام " التي قام بالأداء فيها " جماعة مسرح السودان الواحد " ضمن فعاليات مهرجان أيام البقعة المسرحية في ليلة 27 مارس 2005 علي خشبة مسرح البقعة بامدرمان .
هذا المهرجان الذي تجدد في دورته الخامسة هذه بتفاعل وحراك نقدي مقدر علي صفحات النشرة الخاصة التي تصدر يوميا علي اثر المهرجان . ولعل ما دعاني للوقوف أمام قراءة الناقد راشد مصطفي في مقاله المنور في نشرة الثلاثاء 29/3 / 2005 العدد الثالث صفحة " 2 " هو محاورته الجادة والفاعلة دائما في ثبر أغوار المفارقة المحورية في نقده الدارس لفن الأداء وظاهرة العرض المسرحي  فاتحا الطبيعة التوليدية للعرض ومفككا لشكله ومضمونه وطبيعة الزمان و المكان والفعل فيه وطارحا نماذجه وصفا وتشريحا .
وهذا ما فعله في قراءته النقدية لصور التعايش والسلام ، وهي مسرحية من تأليف وإخراج يوسف احمد عبد الباقي وقد عمل الناقد علي رصد وتتبع فكرة العرض المسرحي وتوصيف النتاج الفني من خلال اكتشاف القواعد المنظمة له ، وهو الهدف الأساسي الذي يسعي إليه النشاط النقدي والإبداع المسرحي وإذا كان العرض المسرحي لا يحقق رعيته بنفسه من خلال شروطه الخاصة فان فكرة العرض القائم بذاته الحامل لقمته الذي يفرض شرعية من داخله لا يمكن ان ينفصل عن نتاجه الفني أو مقولته الكلية المتمثل في الخطاب  المرسل  بهذا السياق اجتهد ألان لقراءة الفعل النقدي للناقد .
والناظر إلي المقال لا يمكن أن يتجاوز خطه الرئيس الذي أبرزه في صدر المقال " أيها الساسة أين انتم من ذلك.. سؤال مركزي واجابات ممكنة الحدوث " وهو السؤال الجوهري وطرح العرض الذي استطاع الناقد أن يستكشفه من ثناياه .... أو هو طرف الخيط الذي امسك به ليدخله إلي الحش وما يعضض هذا القول هو قول وليم شكسبير في مسرحية هاملت التي جعلها الكاتب أول مدخل للمقال
"لا تضعي هذا المرهم المديح الزائف علي جرح روحك، فلسوف يكسو الجرح المتقيح بطبقه من الجلد تغطيه، لكن العفن المنتن سيحفر طريقه إلي الداخل وينشر عدواه في الخفاء "
ذلك القول وبحسبانه المدخل الأساسي للكاتب راشد مصطفي بخيت وهو يضع أداة التشريح في أول نقطة لعرض مسرحية " صور للتعايش والسلام " وكان كاتبها ومخرجها قد امتثل الي قول الناقد " جوليان هولتون "  في قوله : :" ولما كانت الثقافة في احد معانيها نتاجا فكريا لموقف أيدلوجي معين ، سواء كان يمينا أو يسارا أو في الوسط فان احتقار الفنانين للعمل السياسي وترفعهم عنه يعد نوعا من التعامي المتعمد عن الحقائق السياسية التي تحكم حياتنا فهم في هذا كالنعامة التي تدفن رأساها في الرمال وتظن أن هذا سوف ينجيها من الخطر "
بهذا المعني دخل المخرج " بجماعة مسرح السودان الواحد " علي خشبة مسرح البقعة ، وفق رؤية كلية شاملة وواضحة المعالم من خلال رصد وتلمس النسق الثقافي الاجتماعي السوداني .. وهذا ما التمسه أيضا راشد مصطفي أخذا في اعتباره كل الصراعات التي فجرها العرض والاحالات التي أسس لها في قوله :" يمكن القول ان بنية الحكاية التي تقوم عليها المسرحية يتجاوز وصفها المبدأ القائل بصراع الشخصيات إذ أن المخرج استخدمها ليقيم عليها بناء مركبا يبلور من خلاله فكرة مدهشة ينبع التوتر الدرامي فيها من صراع مختلف كلبا هو صراع الأفكار ووجهات النظر أكثر من ما ينبع من صراع الشخصيات " هذا ما استبانه الناقد من صراع تكل في بنية نص العرض المسرحي والصراع هو الفعل الذي يتولد من تعارض قوتين متكافئتين يتفجر منهم الحدث أو المفارقة . ويتخذ الصراع دائما اكثر من شكل فقد يتجسد في شكل مشكله أخلاقية كما هو في نوع الصراع الذي يؤدي الي التطهير وفق نظرية أرسطو .
 الناقدراشد مصطفى
وقد يأخذ الصراع شكلا من أشكال البحث عن النقيض المكمل. وهنا حيث يتحقق التوازن الكامل بين القوتين المتعارضتين يتحد النقيضان في فعل إبداعي خلاق وقد يأخذ الصراع شكلا مغايرا أخر وهو أن سيصبح جزاء من عملية جدلية مستمرة وشاملة ، أي ديناميكية ثقافية لا تتوقف .. وهذا علي حد قول  "جوليان  هلتون " بالمعني الذي وصفه هجل وماركس وفي هذا الإطار يخضع العرض المسرحي لقوانين حركة التاريخ ولا يختلف في هذا عن أي جانب اخر من جوانب الحياة الإنسانية .
وهذا الشكل الأخير هو ما أجده في هذا العرض المسرحي وفق المعطيات التي قرأتها من نص العرض وهذا بالكاد ما أشار إليه راشد بصورة أو أخري أو بشكل ضعيف من التصريح في وصفه لطرح المخرج عندما قال : " إن هذا الطرح يعد مدهشا إلي حد ما بكونه ينم عن تخيلية مسرحية شرسة ورؤى مستقبلية بتشخيص دقيق وعمق أكثر دقة " .
وهذا القول الذي قال به الكاتب لا يمكن ان يتحقق الا من خلال الجدلية المستمرة الشاملة ، بالمعني الذي وصفه هيجل وماركس ، أي ديناميكية الثقافة التي لا تتوقف .
من هنا نجد ان السياق الكلي للخط الدرامي في العرض قد صنع فاصلا قويا بين الإمتاع المسرحي وبين التملق والتزلف لإرضاء الجمهور . فقد كان المطروح في بنيته من أكثر القضايا الاجتماعية الثقافية في السودان تعقيدا في عناصره ومركباته وبالكاد هي أكثر الموضوعات حساسية وهي قضية الجنوب والشمال السوداني .
بهذا فان البناء الدرامي في عرض " صور للتعايش والسلام " فقد توفرت فيه شروط المتعة علي مستوي فكري وشعوري وهو الجانب الذي لم يبزوه الناقد راشد مصطفي بخيت في دراسته للعرض .. وذلك بتغييبه لواحدة من أهم أسس دراسة العرض المسرحي وهو ما يعرف بمسالة " الاستقبال " أي لم يقم الناقد في مقام البحث في إجراء دراسة عملية توليد المعاني علي خلفية علاقة الجمهور بالعرض.
فالمدقق للعرض يجد ا الحدث في البناء المسرحي قد تكيف فيه الاداء وفق استجابة الجمهور له حتى نجد انه في كثير من الأحايين كان العرض يجعل الجمهور إلي مشارك ايجابي في عملية إنشاء المعني . وما كان هذا ليحدث لو لا إحساس الجمهور وإدراكه لصدق ما يعرض أمامه .. وذلك للنزاهة الفكرية والأخلاقية التي تحققت في العرض مع التناسق التام في قيمته الجمالية الفنية والتي تمثلت في لغة العرض والتشكيلات والتكوينات إضافة إلي العنصر الطقسي  الذي تحلي به العرض ، والذي شكل فيه الممثلون دورا أساسيا وفق تجسيدهم للشخصيات وقد برعوا إلي حد كبير في أخذهم بسمات الشخصيات فلم يعملوا علي تزيف صورها كما انهم لم يعملوا علي تحسينها لجعلها أكثر جاذبية .
وبهذا فان الأداء التمثيلي في العرض استطاع أن يسهم وبقدر كبير في أن يمكن العرض بطرح كلي متوافق ومتوازن يقدم القرائن التي تمكن الجمهور إصدار أحكامه الأخلاقية أو السياسية أو الفنية علي الموقف حتى في الموقف الذي شكل المشهد الختامي للعرض . وهذا ما عناه بالتحديد الناقد راشد في مقاله قائلا: " أجوبة تظل جميعها ممكنة الحدوث طالما بقي الأمر ما هو عليه " .
بهذا تفضي الرؤية التي تبناها المخرج وفق تأويلات الناقد وهي في تقديري رؤية تسعي إلي فرض سلطتها وإنشاء معني قطعي بقدر ما اراد المخرج إلي خلخلة الأشياء  لإعادة تأسيس ما هو مؤسس أو إعادة بناء ما هو مبني .
وخلاصة القول أن الناقد راشد مصطفي برغم من انه تجاوز بعض التفاصيل الإجرائية التي ينبغي أن يقوم عليها التطبيق واعني هنا الإجراء العملي الذي يتراتب في شكله الهيكلي المعروف والذي يتقابل فيه الطابق بالمطبوق  ليتمثل الاختلاف بين المطبق بوصفه المنظومة النظرية أو المفهوماتية التي تتبطق والمطبق بوصفه العرض .
فالحكم المسبق والأنموذج المعرفي المسبق يمكن أن تحول بين الذات القائمة علي التطبيق ومعرفة العرض معرفة صادقة فينكره .
إلا أن الشاهد في حالة راشد مصطفي أن الناقد لم يجد إشكالا حادا من القراءة العميقة للعرض واستطاع أن يصغي الي صوت العرض وتواصل مع دلالات التكوين العام للعرض وعناصره ألمشكله له ومن ثم قام بخلخلته وإعادة إنتاجه ملتزما باسلوب العمل مع وضع الاسلوب في رؤيته الخاصة به  كناقد ليجعلها تفصح عن ما تريد فهو بهذا قد اخضع العمل في السياق الذي اختاره للعرض متوازيا مع فطرة النص الذي هو حسب قول الناقد :" بمثابة نبوة باكرة لحدث مؤجل لم تستطع كل القوة الفاعلة اجتماعيا في التنبؤ بمالاته الممكنة مستقبليا ويمثل في نفس الوقت دعوة جادة لإعادة التفكير ثقافيا في مشكلة لا زالت عالقة بين السماء والأرض " .
ومهما يكن  فان الناقد راشد مصطفي قدم قراءة متميزة للعرض المسرحي واستطاع أن يجلو الفكرة بكل توتراتها وصراعاتها وضع علامات فارقه في عرض صور للتعايش والسلام وهو عرض مدعاة للفرح والاحتفال في شكله ومضمونه


* 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق