ِصورة
الرئيس
أحمد أبو حازم
/قاص من السودان
ابوحازم |
نشرة في مجلة الثقافة الجديدة
- مصر بعد الثورة
اطار
الصورة :-
(
إلحس كوعك أو اشرب من البحر فلن تغير من
الأمر شيئً)
رئيس
عربي حاكم
الصورة
الراهنة:-
وجهه كظلِّ الحجر، أما
قلبه فهو الحجر ذاته .. يده صَمِرةٌُ من آثام القتل.. طويلة وخشنة.. يباري ظِلَّ
جبروته ويختال فيه، يجيئ ويذهب والدم ينطف من كفيه .. يقوم على الظَلفاتِ ويقعد
على الشدة والضيق، يستسمن جسده ويتورم من الغرور، يتلاصف جلده مثل فاكهة ناضجة تحت
وميض التصوير، يحتمى من هجير الشمس بقصرٍ ينهض فوق جماجم الموتى كأنه صرحٌ مُمددٌ
من قوارير .
لا يماريه أحدٌ في كلِّ
شيئ، فهو رأس القبيلة، وزعيم الاغلبية، وأمين الحزب، وزين الشباب، ورئيس الشرطة،
وقائد الجيش، وقاضي القضاة، وأمين سر التجار، ورائد الرقص الشعبي، وسيد شباب
(المصارف) ،و..و..
ما مِنْ فتنةٍ إلاّ ونعر
فيها.. رقص حول نارها، ثم أزكى أوارها، فما أن تنطفئ حربٌ هنا، إلاّ وتشتعل اخرى
هناك، فتتدحرج رؤوس قتلاها بالآلاف، وتطيح ارواح غضة في محرقتها، فتذهب في السدى.
يرى ان الحياة سلعة كبيرة ، وحده يتاجر بها وفيها وعليها، له من
الايادي مايعجز العقل ان يحصيها، فالسماسرة يده الطولى، يتاجرون في كل شيئ،
إبتداءاً من قماطات الاطفال مروراً
بفساتين الزفاف، واكفان الموتى ،والطعام المعلّب ، والطماطم الفاسدة،
والادوية المنقذة للحياة، والمبيدات الحشرية، والملابس الداخلية، والحبوب المقوية،
والحشيش، و...و...
والجباة يتكفلون بماتبقى
من بيع وتسليع، فهم عفاريت السلطان .. جيشٌ يَغْتَمِرُ كل شيئ.. لا تأخذه ذمامةٌ
أو اشفاق ..يكتسح مخابئ الجيوب،يقتلعها من أروماتها، ولا مَنْ يدرأ سيله، يبدأون
بالترقيب فيوعدون بدفق ضوءٍ عميم ورخاءٍ قريب، ثم يصرخون بالوعيد لمن تزمر واعلن
امتعاضه، فيشرعون على وجهه صكوكاً سلطانية، ممهورة بخاتم السلطان، أما من أبى
وتمرد، وننَزَعَ يَدَهُ مِنْ الطّاعَةِ ، فمكانه هناك، حيث اخاديد السياط على
الظهور، وملح المدابغ، وعطن الجلود المسلوخة، وسخام حريق العظام العالق على
الحوائط والسقوف، ورائحة البارود، وأنين الرجال في اقبية التعذيب المظلمة، وحبال
المشانق المتدلية ، وجثامين الضحايا طافحة فوق عفونة الذبح، إلاّ من دافع عن خيط
رقبته بالفرار،، ليدخل مضمار سباقات المسافات الطويلة، ومحنة الطرائد باجتياز
السهوب المأهولة بالافتراس، فذاك حظه التيه والهلاك في الفلوات الموحشة .
اما اطار الصورة فهو من
عظامٍ لاطفالٍ ماتوا آن احتكار الدواء لمصلحة الحاشية، خلف الصورة جماجم لموتى
اعتصرهم الفناء في نفق الجوع والمسغبة، ثم التهمهم الموت في غيابة النسيان، وعلى
الصورة من جهة اليمين، ثمة نياشين واوسمة لحروب وهمية واخرى حقيقية، خاضها صاحب
الصورة ضد معارضيه في العام الأول من جلوسه على الكرسي.. نيشان للانتصار على
العملاء في العام الذي أكلت فيه نمله واحدة عدة أفيال.. وسام للصمود والتصدي
للمارقين، عام إنتفاضة القمل والبراغيث ضد المعتقلين الذين تكدسوا على سكناتها فى
السجن الكبير، نوط القضاء على الخونة، في سنة الوباء الذي ساد كل شيئ.. ووسام عاشر
لمحو الاشرار عن الوجود في العام الثالث والعشرون من المسغبة الطاعنة، وعلى الجهة
اليسرى من صدر الصورة، ثمة اوسمة ذهبية تتلألأ ويرهج وميضها بوهجٍ طاغٍ لنماء
وازدهار زائف، تتحدث عنه وسائل الاعلام بانه حقق معدلاً عالياً من الرخاء، وسُحِقَ
الفقر ثم طوي سجله إلى الابد، يتفق الناس بان ذلك حدث فعلاً ولكن في كوكبٍ آخر،
وتحت الصورة كُتَبَت عبارة( فضيلة السيف إحكام القطع ) بمناسبة الفوز في
الانتخابات الاخيرة والتي لم يسمع بها أحدٌ قط، ومع ذلك فقد حقق صاحب الصورة فيها
فوزاً ساحقاً على منافسين لا وجود لهم، بنسبة تقدّر بتسعٍ وتسعون وتسع من عشرة
فاصل تسع وتسعون وتسع من عشرة، وماتبقى من نسبة اقتسمته مائة من الاحزاب التي
شكلها فخامة الرئيس بنفسه إزعاناً للديموقراطية وقبول الرأي الآخر.
صورته حين يتكلم يبدو كأنه
ديناصورٍ انقرض قبل ألف عام، اما صوته فهو مزيج من العواء والنباح والفحيح والنعيق
، لسانه طويل وأجرد إلاّ من البذاءة والسباب، يبكى بلامناسبة، ويضحك بالا مبرر،
وعلى الشعب إن بكى السلطان ان يبكى حتى يصاب الدوار، وان ضحك فعلى الشعب ان يضحك
حتى يغمى عليه، ومن لم يفعل فحراس النوايا له بالمرصاد، فياويله وويل اسلافه أجمعين
في خطبه لا يستند إلاّ على التاريخ السلبي والأسود الذي كتبه
العنف والظلم والعبودية ، وانه ماجاء إلا لينقذ الشعب من فقدان ( الحرية)
والاضمحلال، والحرية كلمة يتبجح بها ولا يعرف معانيها ودلالاتها، فهى له وحده
ولحاشيته لاغير والحال كذلك فهؤاء لا يعرفون سوى تبديدها ففاقد الشيئ لا يعطيه.
فالمستبد دائماً لايرى أبعد من قدميه بل بالاحرى يرى بقدميه التين يركل بهما كاة
قيم العدل والخير والمساواة ، فديدن الصورة المستبدة ان تجعل شعبها خائفاَ واسيراً
لاستبدادها ، لان الانسان حين يفقد حريته تصبح الحياة عديمة الجدوى، فيتحكم فيها
التخلف ، ويستبد بها السلطان المتخلف عن كل قيمة انسانية .
ارانى سأتحدث حتى أنقضاء عمري، وليس من نهاية
لوصف الاستبداد وصوره المتجسدة في طغاة هذا الزمان وصلفهم، لذا ساوجز صورة الرئيس
التي احلم بها ، بوصفي احد افراد شعب يريد الشموخ ، والنهوض بذاته ، حتى يسهم
معغيره من الشعوب الاخرى في البناء الحضارى والانساني .
فصورة الرئيس التي ارومها ، هى من تناضل من اجل حرية شعبها ، وتخترق به
حواجز الجمود والتخلف، وتصنع به تاريخاً متقدماً ،وتبني به حضارة وعزة وشموخ ، وحتى يصبح ذلك كذلك ، فان العام الثني عشر من
الالفية الرابعة أقول ربما يظهر من يجسد ولو جزءاً يسيراً من ما اتخيله من صورة
الرئيس، فالراهن لايبشر من محيطنا الي خليجنا بما نصبوا اليه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق