الاثنين، 10 يونيو 2013

دولة المواطنة الهادي الشواف



دولة المواطنة
محاولات لتعزيز وتجزير المفاهيم
الهادى الشواف
مدخل:
الهادي الشواف
          أي مجتمع في طبيعته ينشد السلام والاستقرار كمدخل لبناء دولة متماسكة وقوية ومتقدمة، وبالتالى لديها القدرة على تحقيق آمال واشواق مواطنيها فى التطور والنمو، وصولاً الى مجتمع الكفاية والرفاه، وعبر التجارب الانسانية الممتدة فى التاريخ الانسانى الطويل، هنالك مجموعة من التجارب التى كانت نتيجة لعمليات طويلة من البحث والتنظير والتجريب المستمر المهفوف بالاخطاء والإيجابيات، هذه التجارب احدثت تراكم توصل من خلاله الى نتائج يمكن ان توصف بأنها فتوحات جليلة تصب جميعها فى تحقيق انسانية الانسان، وتتجسد هذه النتائج فى كثير من القضايا التى تهم الانسان فى إطار بحثه عن نموذج دولة يجد فيها المواطن على الاقل الحد الادنى من طموحاته فى العيش بكرامة، ولعل من أهم هذه المفاهيم والقضايا التى توصل فيها الانسان الى نتائج اكدت انها ممكن ان تساهم فى تحقيق جزء كبير من هذه الطموحات المنشودة، هى مفاهيم تدور حول دولة المواطنة ودولة القانون والعقد الاجتماعى، كجزء من منظومة مفاهيم وأفكار ونظريات اثرت الحياة الانسانية، لذا نحاول فى هذه المساهمة ان ندير حوار حول مفاهيم دولة المواطنة ودولة القانون والعقد الاجتماعي من خلال تقريب الفهم، ومن ثم العمل جميعاً وعبر مكونات المجتمع المدني المختلفة على تجذير هذه المفاهيم فى تربتنا الوطنية من خلال صيغ تعبر عن واقعنا، والحديث عن هذه المفاهيم يأتي ضمن سلسلة من الحوارات حول ضرورة العمل من أجل أحداث تغيير جذري على المستوى العام، واصلاح ما يمكن اصلاحه على على المستوى الخاص، والحديث عن دولة القانون ودولة المواطنة والعقد الاجتماعي لايمكن ان يتم بعيداً عن الاشارة الى الاستبداد بدرجاته المختلفة وتجلياته المتعددة، وبالتالى الحديث عن الديمقراطية والتحول الديمقراطي، ليس على مستوى تداول السلطة فحسب بل على كافة المستويات الاخرى داخل مفاصل وفئات المجتمع ككل، فى هذه المساهمة سنتعرض لمفاهيم دولة المواطنة، مع الالتزام بتكملة المشروع بحديث عن دولة القانون والعقد الإجتماعي.
تعريفات إجرائية:-
هنالك مجموعة من التعريفات الاجرائية التى نحسب انها يمكن ان تساهم فى اضاءاة جزء كبير من الموضوعات التى تتطرق لها هذه المساهمة وهى:
* الدولة: وهى عبارة عن تجمع من البشر يقيم أو يسكن أو يستوطن بصورة دائمة فى رقعة جغرافية معينة أو إقليم معين ذات سيادة وتحكمه حدود سياسية واضحة، وتقوم بينهم سلطة سياسية تتولى تنظيم العلاقات داخل هذا المجتمع، كما تتولى تمثيله في مواجهة الآخرين.
* المواطن: هو الإنسان الذي يستقر بشكل ثابت داخل الدولة أو يحمل جنسيتها ويكون مشاركاً في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها ويتمتع بشكل متساوي مع بقية المواطنين مجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه الدولة.
 * القانون: هو مجموعة القواعد والأنظمة والتعليمات الصادرة عن الدولة أو الهيئات التشريعية  المنتخبة لتنظيم العلاقة بين المواطنين، وتحكم سلوك الأفراد في المجتمع الذين يتعين عليهم احترامها والالتزام بها و الخضوع لها.
* الديمقراطية: هى نظرية سياسية تكون بموجبها الحكومة منتخبة من الشعب انتخاباً مباشراً أو غير مباشر، مع إجراء انتخابات حرة بصورة متواصلة، وتكون الفرصة متاحة امام جميع المواطنين للمشاركة فيها، مع حق المشاركة فى السياسات العامة واتخاذ القرارات المصيرية.




المواطنة بين المفاهيم التقليدية والحديثة:
لقد مر مفهوم المواطنة بعدة اطوار، فالوطن على المستوي المفهوم التقليدى هو الدار، دار الاسرة ودار القبيلة، وهو بالنسبة للفرد مسقط الرأس ومنبت الرزق وارض الاباء والاجداد، بينما الوطن فى المفهوم الحديث هو مرادف للدولة بما تعنى من ارض محددة بحدود سياسية يسكنها سكان لهم حقوق وواجبات، وان اختلفوا فى الارث الحضارى وتعددوا فى الاثنيات وتنوعوا فى الثقافات، وهو بهذا المعنى يستوعب المفهوم التقليدى فى داخله على مستوعى انتماء أعلى من الانتماءات التقليدية المنغلقة، والوطن على المستوي العام اخز عدة اشكال مثل:(دولة المدينة،الدولة الوطنية، الدولة القومية، الإمبراطورية والدولة العالمية)، الاان مفهوم الوطن والمواطنة فى هذا العصر وصل الى صيغ متقدمة ارتبطت بمفاهيم الحداثة والتحديث.
ولكن يظل التأسيس الحداثي بشقيه الابستمولوجي والعملي، هو الاكثر تعبيراً عن  مفهوم المواطنة في شكله الحداثي الأكثر تطورا، فجوهر الحداثة في تصور الإنسان، هو النظر إليه باعتباره نقطة البدء في المعرفة والعمل، إنه العقل الخالص، أو الذات المفكرة، أو الكوجيتو (الأنا..  أنا أفكر إذن أنا موجود)، (انا احس اذن انا موجود)، (انا اشك اذن انا موجود)، إنه صاحب الإرادة الحرة، والفاعلية في المجتمع والسياسة والاقتصاد، بل وفي التاريخ، وياتى الربط ما بين الحداثة والمواطنة، من باب ما انجزته الحداثة وما بعدها من المنجزات الفكرية والسياسية التى تتمثل فى: (القانون الطبيعي، وحقوق الإنسان، والعقد الاجتماعي، والفصل بين السلطات، والنظام السياسي الدستوري، والمجتمع المدني، والديمقراطية الراشدة) وغيرها، وعليه لا يمكن الحديث عن مجتمع مدني بدون مواطنة، ولا مواطنة بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية حقيقية بدون مواطنين بمعنى الكلمة يمارسونها وينظمون على أساسها علاقاتهم مع بعضهم البعض من جهة، وعلاقاتهم مع الدولة من جهة أخرى.
فانطلاقاً من إيطاليا التى لعبت الدور المهم  فى قيادة عصر النهضة، ومروراً بإنجلترا التى قادتنا الى  عصر المواطنة الحديثة، من خلال الثورة التى اندلعت فى نهاية القرن السابع عشر، ومن ثم انتقلت القيادة والريادة إلى فرنسا مع بداية القرن الثامن عشر، بظهور مجموعة من الفلاسفة الكبار، الذين نظرّوا فلسفيا للحرية والحقوق الطبيعية للفرد والمجتمع، وناهضوا الاستبداد والملكية المطلقة ونظرية الحق الإلهي على رأسهم: (مونتسكيو، وفولتير، وروسو، وجماعة الإنسكلوبيديا)، واستمرت مسيرة الحداثة التى تزعمتها فرنسا، وكان لها قصب السبق في نهاية عصر التنوير بنجاح الثورة الفرنسية التي تشكل المرجعية المركزية للأنظمة السياسية الحديثة، كما لعبت الولايات المتحدة دوراً على المستوى السياسي تجلى في الثورة الأمريكية، اذن ان انتقال مفهوم المواطنة من المفهوم التقليدي المغلق الى المفهوم الحديث الاكثر انفتاحاً، تأثر سلباً وايجاباً بالمكنزيم الداخلى لتطور المجتمعات البشرية بأختلاف الزمان والمكان.
نشأة وتطور مفهوم المواطنة:
        يرجع مفهوم المواطنة تاريخياً إلي الديمقراطية الإغريقية التي تعتبر الاساس الذى قاد إلى الديمقراطية فى عالم اليوم، حيث يرجع أصل استعمال مفهوم المواطنة الى الحضارتين اليونانية والرومانية، فقد استعملت الألفاظ (civis) المواطن (civita) المواطنة في هاتين الحضارتين لتحديد الوضع القانوني والسياسي للفرد اليوناني والروماني، حيث اقتصر المفهوم فى اثينا فى جوانب المشاركة السياسية فقط لبعض افراد الشعب الذين انطبقت عليهم شروط المواطنة حسب مفهوم المواطنة الاثينية آن ذاك، إلا أن المساواة الاجتماعية لم تكن متوفرة بين جميع المواطنين في المجتمع الاثيني القديم، وفي الإمبراطورية الرومانية ظل المفهوم يمثل حقاً وراثياً لابناء روما، ومن ثم توسع مفهوم المواطنة ليشمل جميع أراضي الإمبراطورية الرومانية واقطارها وحصل سكانها من الذكور باستثناء ما يسمون ب(العبيد) على حق المواطنة الرومانية.
وقد استمر مفهوم المواطنة فى تطور مستمر على المستوي الافقى والمستوى الرأسي، فأفقياً اتجه نحو توسيع قاعدة المواطنة من حق لفئات قليلة الى كافة فئات المجتمع،على الرغم من ان هذا التطور تجسد على المستوى النظري اكثر منه على المستوى العملى أو التطبيقي، حيث لم تشمل المواطنة كل افراد المجتمع من ناحية التطبيق والتنفيذ على ارض الواقع، - رغم الاعلان العلمى لحقوق الاانسان – ورأسياً سار المفهوم فى مسار موازي ومتدرج مع تطور المشاركة فى القرار السياسي وممارسة السلطة وفق آليات الديمقراطية، وحسب دراسة لعالم الاجتماع (هانس) التى قدم فيها ستة مستويات لتدرج صناعة القرار فى بعض المجتمعات، حيث جاءت على النحو الاتى:      
-         المستوى الأول: القرار الفردي ينفرد به رأس السلطة.
-         المستوى الثاني : يتم إعلام الجمهور بالقرار دون أخذ رأيهم.
-         المستوى الثالث: حيث يستشار الجمهور دون الأخذ برأيهم.
-         المستوى الرابع: يتم استشارتهم والأخذ برأيهم.
-         المستوى الخامس: حيث يتم إشراكهم في مواجهة القضايا وحلّ المشاكل.
-        المستوى السادس: وجود سلطة اتخاذ القرار في يد عامة المواطنين وفق الآليات الديمقراطية.
         ولكن ليس بالضرورة ان يحافظ هذا التدرج على تسلسله فى كل الاحوال، فيمكن ان يتفاوت من مكان الى اخر، وبين أكثر من مستوى بهدف الضليل، كما يحدث فى كثير من الديمقراطيات المزورة والمزيفة، ولا شك فى ان افضل مستوى يعكس مفهوم المواطنة هو السادس، حين تتسع قاعدة المواطنة بمفهومها الشامل، حيث تتسع قاعدة المشاركة لتشمل الجميع، على اساس المساواة فى الحقوق والواجبات، بغض النظر عن(الدين، العرق، اللغة، الجنس، أو الأصل الاجتماعي.... إلخ).
لقد سجل عصر التنوير أعلى مستوى أفقياً لمفهوم المواطنة في أبعاده السياسية والاجتماعية والمدنية، كما تطور رأسياً حسب هذا السلم على الأقل من الناحية النظرية، لكنه لم يصل إلى المستوى الخامس أو السادس، وفي عصر الثورة الفرنسية والأمريكية فى القرن الثامن عشر، تطور المفهوم لكن التاريخ سجل للثورتين بعض القصور فى تطبيق حق المواطنة على بعض الفئات من مجتمع، فدستور الثورة الأمريكية (لسنة 1787م) استبعد (النساء) و(الهنود الحمر) و(السود) من دائرة المواطنة، وظل هذا الوضع مستمراً رغم إلغاء الرق (سنة 1800)، ولم يحظوا بهذا الحق إلا (سنة 1965م).
وكذلك لم تضع الثورة الفرنسية حدا للعبودية إلا في (عام 1848م)، ولم تعترف بحق النساء في التصويت إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي إنجلترا لم تحصل المرأة على المساواة السياسية وحق المواطنة بمعناه الشامل إلا في (سنة 1928م)، وعليه ولم يتبلور مفهوم المواطنة من الناحية النظرية إلا (سنة 1948م)، بصدور (الإعلان العالمي لحقوق - واجبات الإنسان)، على الاقل على المستوى النظرى، أما الواقع الفعلي المتعين حتى عصرنا هذا، فلا يزال يعترض مفهوم المواطنة تحديات كبيرة في كثير من البلدان المتقدمة، فاما فى البلدان المتخلفة فحدث ولا حرج. 
اذن فمفهوم المواطنة هو مفهوم تاريخي شامل يختلف من زمان لاخر ومن مكان لمكان، ويتاثر بالنضج السياسي والرُقي الحضاري للمجتمع والدولة، وقد تأثر المفهوم بالتطورات السياسية والاجتماعية والأحداث العالمية الكبرى، فنجد أن معنى المواطنه في العصر الاثيني يختلف عن معنى المواطنة في عصر الإقطاع، واختلف كثيراً عبر العصور اللاحقة من حيث توسع نطاقه فاشتمل على فئات لم يكن يعترف بمواطنتها سابقاً، كما تطورت أبعادها فأصبحت تضم أبعادا اجتماعية واقتصادية وبيئية بالإضافة إلى الأبعاد القانونية والسياسية.
مفهوم المواطنة من خلال المعاجم العربية والاجنبية:
          المواطنة كلمة عربية استحدثت للتعبير بها عند تحديد الوضع الحقوقي والسياسي للفرد في المجتمع، ففي اللغة المواطنة (المنزل تقيم به وهو موطن الإنسان ومحله) حسب ابن منظور في لسان العرب، فالمواطن حسب هذا التعريف هو الإنسان الذي يستقر في بقعة ارض معينة وينتسب إليها، أي مكان الإقامة أو الاستقرار أو الولادة أو التربية.
          والكلمات مثل: (وطن- توطن- واطن- الوطن- موطن...). وردة فى اللغة العربية بمعانى تعبر جميعها عن صورة من صور مفهوم الوطن والمواطنة، فالوطن في اللغة العربية: هو المنزل الذى تقيم فيه، وهو بالتالى موطن الانسان ومحل سكنه، والـجمع أوطان. وطن بالـمكان وأوطن أي أَقام فيه. وأوطنه أي اتـخذه وطناً، وأوطنت الارض ووطنتها توطيناً واستطوطنتها: أَي اتـخذتها وطناً، أَما المواطن فهو كل مقام قام به الإِنسان لأَمر فهو موطن له، فالمواطنة إذن كلمة لها أصل عربي مرتبط بموطن الإنسان ومستقره وانتمائه الجغرافي، لكنها كمصطلح تم استحداثها لتعبر عن الوضعية السياسية والاجتماعية والمدنية والحقوقية للفرد في الدولة.
وفي السياق الغربي نجد لمصطلح المواطنة حضور قوي في المعاجم اللغوية، وعلى سبيل المثال في اللغة الإنجليزية يشير المصطلح (Citizenship) إلى المساهمة في حكم دولة ما على نحو مباشر أو غير مباشر، كما يستخدم أحياناً للدلالة على العملية أو الحالة التي يعد الفرد بمقتضاها مواطناً لمجرد أنه يعيش في رحاب دولة معينة، أوينتمي إليها ويخلص لها؛ ومن ثم يحظى بالحماية، وفي معجم هاراب مثلا: المواطن هو ساكن المدينة، وهو شخص له كل الحقوق كساكن في دولة،أما المواطنة فهي الاسم الذي يدل على حالة State وجود المواطن.
عرفت دائرة المعارف البريطانية المواطنة ( citizenship ) بأنها: علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة ، والمواطنة تدل ضمناً على مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات ، وهي على وجه العموم تسبغ على المواطنة حقوقاً سياسيةً مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة.
وعرفت موسوعة الكتاب الدولي المواطنه بانها: عضوية كاملة في دولة او في بعض وحدات الحكم، وان المواطنين لديهم بعض الحقوق، مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة وكذلك عليهم بعض الواجبات مثل واجب دفع الضرائب والدفاع عن بلدهم.
وعرفته موسوعة كولير الأمريكية بأنها: اكثر أشكال العضوية في جماعة سياسية اكتمالاً، لم تميز موسوعة الكتاب الدولي وموسوعة كولير الأمريكية بين مصطلح المواطنة ومصطلح الجنسية كما فعلت دائرة المعارف البريطانية ، فالجنسية وان كانت مرادفة للمواطنة فهي تعطي امتيازات خاصة مثل الحماية خارج الدولة وبطاقة لتعريف بشخصية الفرد وهوية رسمية له عندما يخرج من حدود بلده.
من خلال هذه التعريفات نجد ان المواطنة رابطة قانونية قائمة بين الفرد ودولته التي يقيم فيها بشكل ثابت ويتمتع بجنسيتها على اساس جملة من الحقوق والواجبات التي يحددها الدستور في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، اذن هى مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الفرد والدولة وبين الأفراد بعضهم البعض.
كيف تمنح المواطنة:
تمنح المواطنة من دولة الى اخرى بحسب القوانين أوالدستور المعمول به بداخل الدولة المعينة، ولكن فى حالات كثيرة تمنح المواطنة اذا توفرت الاسس التالية:
- قرابة الدم او ما يسمى (بقانون الدم) وهو الذي يعطي حق المواطنة للفرد بناءاً على مواطنة والديه فهو حق وراثي اذن.
- مكان الولادة أو ما يسمى (بقانون الأرض) وهو الذي يعطي حق المواطنة للفرد بحسب مكان ولادته بغض النظر عن موطن الوالدين.
- اكتساب المواطنة بالهجرة أو ما يسمى (بقانون الهجرة) والذي تعتمده العديد من الدول، فيحصل الفرد على مواطنة هذه الدوله التي يهاجر اليها اذا توفرت فيه شروط الهجرة المطلوبة وتمت الموافقة عليه من قبل الدولة.
الأسس التي تقوم عليها المواطنه:
          مفهوم المواطنة يقوم على مجموعة من الحقوق التى تقابلها جملة من الواجبات، وأن المعنى الحقيقي للمواطنة يعتمد على انتماء الفرد وولائه لوطنه، وعليه تقوم المواطنه في مواجه تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتحقيق التوازن بينهما على اساسين:
اولاً: المشاركة في الحكم: يجب ان تكون هذه المشاركة من خلال العملية الديمقراطية التي تقوم على جملة من المعايير التى تتمثل في المساهمة الفاعلة، التي تعطي الفرصة المناسبة لكل مواطن للتعبير والمشاركة عن رغباته وآماله، وان يتوفر لكل مواطن الحق في اكتساب المعلومات بشكل يمكنه من فهم الأمور المراد اتخاذ القرار بشانها، فهذه المعايير هي التي تشكل العملية الديمقراطية والتي من خلالها يستطيع المواطن المشاركة في الحكم، وبدون هذه المشاركة تصبح المواطنه شكلية لا اساس لها وغير مطبقة على ارض الواقع بشكل فعلي.
ثانياً: المساواة بين جميع المواطنين: ويقوم هذا الاساس على ان جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، ويتمتع كل فرد منهم بحقوق والتزامات مدنية وقانونية واجتماعية واقتصادية وبيئية متساوية، بالاضافة الى ذلك المساواة بين المواطنين امام القانون، كل ذلك بدون الأخذ فى الاعتبار الوضع الاجتماعي او المركز الاقتصادي او العقيدة السياسية او العرق او الدين او الجنس او غيرها من الاعتبارات.
          فالمدخل لتحقيق مفهوم المواطنة والعمل على تجذيره فى التربة الوطنية، مرتبط بشكل وثيق بالأساسين السابقين، فتحقيق هذين الأساسين ينعكس بشكل اساسى على تعزيز الشعور بلانتماء والمواطنة والولاه الصادق للوطن، ويؤدى الى التفاعل الإيجابي ما بين المواطنين، وبالتالى يتيح الفرصة للشعب للمشاركة الواسعة والفعلية فى صناعة القرار وتحقيق مصيره، ويساهم فى نمو الشعور بالإنصاف مما يؤدى الى ارتفاع الروح الوطنية، وهذا يدفع الفرد الى القيام بواجباته على والوجه الاكمل وبقناعة كاملة، وهذه الواجبات تتمثل فى الدفاع عن الوطن، ودفع الضرائب، واطاعة القوانين وغيرها، وما يجدر الاشارة اليه هو انه من الضروري ان يتم النص على هذين الأساسين وبشكل واضح لا يحتمل التأويل في دستور ديمقراطي، مرتكز على مبادئ الديمقراطية، وان يساهم الشعب فى صناعته، وان يقوم على أساس أن الشعب مصدر السلطات، ويؤكد الفصل التام ما بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعدم جمعها في يد شخص أوجهة واحدة، وضمان الحقوق والحريات العامة دستورياً وقانونياً ومجتمعياً، وحماية الحريات العامة و صيانة حقوق الإنسان، ويجب ان ينعكس ذلك من خلال تنمية قدرة الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني، وتداول السلطة بشكل سلمي ودوري وفق انتخابات عامة حرة ونزيهة تحت إشراف قضائي مستقل.
الحقوق الاساسية للمواطنة:
يترتب على المواطنة العديد من الحقوق والحريات التي يجب ان يتمتع بها المواطنين الذى انطبقت عليهم الاسس الواردة اعلاه، وتقابلها مجموعة من الواجبات التى يجب ان يقوم بها المواطن تجاه وطنه، تجسيداً لمفهوم المواطنة، وتعزيزاً للانتماء، وهذه الحقوق هى: 
- الحقوق المدنية: وهي مجموعة من الحقوق المدنية التى تم النص عليها فى المواثيق الدولية منها على سبيل المثال: الحق في الحياة، وعدم التعرض للمعاملة القاسية أوالتعذيب، أو اي شكل من اشكال المعاملة التى تغدش انسانية الانسان، أوتحط من كرامتة، وعدم اجراء اية تجربة طبية او علمية على اي مواطن دون رضاه، وعدم الاسترقاق اوالعبودية، وعدم الاكراه على العمل الإلزامي، والاعتراف بحرية كل مواطن طالما حريته لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الآخرين، والحق فى الاحساس بالامان وعدم الاعتقال او التوقيف تعسفاً، والحق في حرية التنقل وحرية اختيار مكان الاقامه داخل حدود الدولة ومغادرتها والعودة اليها، والحق في المساواة امام القانون، وعدم التدخل في خصوصية المواطن او شؤون اسرته، او مراسلاته أو مراقبة اتصالاته، وعدم تعرضه لأي معاملات تمس شرفه او سمعته، والحق في حرية الفكر، والانتما والاعتقاد، وحرية الرأى والتعبير وغيرها من الحقوق.
- الحقوق السياسية: وتتمثل فى حق المشاركة فى العملية الانتخابية بكل جوانبها، وفى كافة مستوياتها حسب آليات الديمقراطية، والتى تشمل المشاركة فى الترشيح والتصويت والاختيار والترشح فى جميع مستويات السلطة (التشريعية والتنفيذية وغيرها)، والحق في تقلد الوظائف العامة في الدولة والحق في التجمع السلمي، وحق كل مواطن بالعضوية في الاحزاب وتنظيم حركات وجمعيات وناقابات وروابط، والمساهمة في تكوين والاشتراك فى منظمات المجتمع المدنى المختلفة،  بهدف التأثير على القرار السياسي والمشاركة فى صناعته ومتابعة تفيذه.
- الحقوق الاقتصادية: وتشمل حق كل مواطن في اختيار العمل الذى يناسبه، والحق في العمل في ظروف منصفه دون تميز لأي اسباب غير الكفاءة والمؤهل العلمي وما شابه ذلك من ادوات التميز الإيجابى، والحق فى الاجر المتساوي للعمل المتساوي بصرف النظر عن النوع، وحرية تكوين النقابات والانضمام إليها، والحق في الإضراب والاحتجاج، وحق التملك وغيرها من الحقوق الاقتصادية التى تصين كرامة الانسان، وتحرره من سؤال الحاجة حتى ينطلق للمساهمة فى بناء وطنه وتطويره.
- الحقوق الاجتماعية: وغير تعبير عن الحقوق الإجتماعية هو ان يتمتع المواطن - كل مواطن-  بالحد الأدنى من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، وتوفير الحماية الاجتماعية له، والحق في الرعاية الصحية والحق في الغذاء الكافي والصحى، والحق في التامين الاجتماعي، والحق في المسكن والحق في المساعدة والحق في التنمية، والحق في بيئة نظيفه، والحق في خدمات كافيه وحقيقية لكل مواطن دون تميز.
-الحقوق الثقافية: وتتجسد الحقوق الثقافيه فى حق التعليم المجانى والالزامى لكل مواطن، والحق فى تلقي المعرفة بكافة انواعها، والحق فى الكسب الثقافى، والحق فى حماية الخصوصية الثقافية، والحق فى  الوصول الى المعلومات وغيرها من الحقوق التى تعزز احساس وشعور المواطن بكينونته الثقافية.
الواجبات الأساسية للمواطنه:
          مثلما للمواطنة حقوق واجب الالتزام بها وصونها، ايضاً هنالك واجبات تحقق التوازن المطلوب لمفهوم المواطنة، واجب الالتزام بها وتأديتها على اكمل وجه، وهى نتيجة طبيعية ومنطقية فى حال الالتزام التام بالحقوق فى ظل نظام ديمقراطي حقيقي يوفر الحقوق والحريات الأساسية المترتبة على المواطنه لجميع المواطنين وبشكل متساوي، مقابل هذه الحقوق تظهر بالضرورة مجموعة من الواجبات التي يجب أن يؤديها المواطنين أيضا بشكل متساوي بين الجميع وبدون تمييز لأي سبب من الأسباب التي تم ذكرها سابقاً، اذن هي علاقة تبادلية، بل متلازمة غياب أحدها قد ينسف الاخرى، والهدف الاساسي من هذا التلازم هو مصلحة الفرد والدولة، ولخلق وضع أفضل على مستوى الدولة والمجتمع، وهذه الحقوق والواجبات قد ينص عليها القانون، وقد تكون مفهومة ضمنياً للمواطن فيلتزم بها، وتتمثل هذه الواجبات الاساسية فيما يلي.
- واجب دفع الضرائب للدولة: فالمواطن عندما يلتزم بهذا الواجب يكون بالضرورة مساهماً في اقتصاد الدولة، وهذه الضرائب التى يدفعها يجب ان تعود إليه فى شكل خدمات اساسية، تساهم فى تعزيز الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، فالبنيات التحتية الضرورية، والخدمات الصحية والتعليمية المجانية، والضمان الاجتماعي، على سبيل المثال تستطيع الدولة انجازها من خلال هذه الضرائب التي تعد أحد الموارد الأساسية للدولة، وبالتالي فهي ضرورية لاستمرارية الدولة والمجتمع.
- واجب إطاعة القوانين: بما انه توفر المناخ الذي يسمح للشعب وبكل حرية أن يقوم بالمساهمة والمشاركة فى تشريع القوانين، أواختيار من ينوب عنه فى التشريع والإجازه، وعن طريق السلطة التي يقرها، وطالما أن هذه القوانين ستطبق على الجميع بشكل متساوي ودون تمييز، فالأمر الطبيعي أن يقوم المواطن باحترام هذه القوانين، التي تحقق بدورها الأمن وتحفظ النظام وتحمي الحقوق، وبالتالى ستقود هذه الطاعة للقوانين إلى تحقيق المساواة والديمقراطية، كمدخل للتكافل الاجتماعي وصيانة الحقوق.
- واجب الدفاع عن الدولة: وهو ما يسمى بواجب الخدمة العسكرية او الخدمة الوطنية، فهو واجب مقدس، ويشمل كل مواطن دون استثناء لاحد، ويجب ان يقوم هذا الواجب فى ظروف حقيقية يتعرض فيه الوطن لمهددات حقيقية تؤثر فى امنه وسيادته، ويأخذ هذا الواجب أهميته من انه ومن خلاله تتجسد آعلى قيمة لمفهوم المواطنة والانتماء، المتمثلة فى بزل الروح من اجل الدفاع عن الوطن، وهذا ياتى نتيجة لاحساس الصادق للاننماء للوطن، من خلال ما وفره من حقوق وحريات وخدمات للمواطنين، وسمح لهم بالمشاركة في الحكم، بالإضافة إلى الشعور بالأنصاف من خلال تحقيق مبدأ المساواة بين الجميع.

التربية الوطنية وتجذير مفهوم المواطنة:
للتربية الوطنية دور محوري فى تجذير مفاهيم المواطنة، عبر اهم واخطر وظيفة للتربية الوطنية التى تتمثل فى تحقيق المعرفة بالمواطنة وتنمية وتعزيز الشعور بها، من خلا ترسيخ مجموعة من المبادئ الاجتماعية، التى تعكس خصوصية المجتمع مع ضرورة الانفتاح علي الآخرين في الوقت نفسه، والاتصال بالثقافات الأخرى والتفاعل معها في جو من الندية والانسجام والموضوعية والتسامح والحوار المبني على الاحترام المتبادل، وبعيداً عن التبعية المزلة والمهينة، ومن تمتع بهذا الإحساس تتعزز لديه ثقافة أداء الواجبات قبل أخذ الحقوق وتترسخ فيه قيم احترام القوانين والأعراف المعمول بها محليا ودوليا، وايضاً تعمل التربية الوطنية على تجذير مجموعة من المفاهيم الخاصة بالمواطنة نذكر منها على سبيل المثال:
-  القيام بمهمة تجذير وتحقيق المعرفة بالمواطنة وتنمية وتعزيز الشعور بها.
-  يجب على التربية الوطنية ان تهتم  بتعزيز التوازن بين حقوق ووجبات المواطنة.
-  تجذير الاحتـرام لمقدسـات الوطـن والمشاركة فى قضاياه والدفاع عنه.
- تعزيز وتجزيز الاندماج مع الجماعـة بروح من التضامـن والإخاء.
- نشر وغرس السلوك الديموقراطي وقبول التعدد والتنوع.
- العمل على رفع الوعى بحب العمل والتفاني فيه مساهمة فى رفع إنتاجية المجتمع.
- القيام بالواجبات بصورة كاملة والمطالبة بالحقوق على الوجه الاشمل.
وبالتأكيد أن الانتماء للوطن اعمق بكثير من ان يضمن فى سطور، والانتماء هو المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنه وبدونه لا قيمة للمواطنه، وبدونه تصبح المواطنة عبارة عن جنسية تمنح وحقوق تفرض واجبات تنفذ، ولا يمكن ان تتحقق مفاهيم المواطنة وتتجزر فى تربتنا الوطنية دون ان نستند على التربية الوطنية، فالتربية الوطنية هى التى لديها القدرة فى المساهمة وبشكل فعال فى تعزيز وتجذير وتوجيه المفاهيم المعبرة عن الانتماء والمواطنة،ونشرها على مستوى واسع وسط افراد المجتمع ككل، وليس نحو فئة معينة، أو نحو عائلة أوعشيرة بعينها، أو نحو قرية أو بلدة أو مدينة محددة،  وبالتالى تجذر التربية الوطنية مفاهيم العمل الجماعي المتوجه نحو المصلحة المشتركة والخير العام،  وتعزز معنى أن الانتماء والولاء للدولة والمجتمع وليس للحاكم أو لأي شخص مهمة كانت مكانته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
خلاصة القول ان دولة المواطنة هى نقيض دولة الاستبداد والقمع والظلم وغياب العدالة الاجتماعية، وبالتالى هى نقيض دولة المحسوبية والفساد، وهى نقيض للدولة العنصرية والفاشية والدكتاتورية والشمولية، وبالتالى فدولة المواطنة هى مع العدل والمساواة بين جميع افراد الشعب، ومع ديمقراطية الاختيار، و تستند على جميع الحقوق التى نص عليها فى المواثيق الدولية التى تعزز انسانية الانسان وتصون كرامته، من خلال الاصول الخمسة- (الحرية - السلام - العدالة - المساواة - الكرامة)- التى دعت لها جميع الاديان والمعتقدات، وعبرت عنها الاعراف والعادات والتقاليد التى انتجها الانسان، وعززت من خلال القوانين والمواثيق الدولية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق